ففي كل هذه المواضع جاءت بالتخفيف، والأصل فيها التشديد(١)، وهو على وزن فيعل مكسور العين، كأنه قال: (ميوت)، ثم قلبت الواو ياء؛ لسكون الياء فيها، ثم أعلّت بالحذف لضرب من الاستخفاف(٢).
وفي ظل معطيات الدرس الصوتي الحديث يؤكد الباحث أن حذف أحد المقاطع الصوتية يعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، وهذا ما حدث لـ(ميت وميتة)؛ حيث إن كلمة (ميتٌ) حال تشديدها تتكون من ثلاثة مقاطع: متوسط مغلق (مي: ص ح ص) وقصير مفتوح (يـ: ص ح) ومتوسط مغلق (تن: ص ح)، فإذا ما خففت بالحذف صارت مكونة من مقطعين من المتوسط المغلق: (مي: ص ح ص) و(تن: ص ح ص). وذكر القدماء أنهما لغتان، وكلتاهما استعملت في بيئة لغوية واحدة واستشهدوا بقول الشاعر(٣):
ليس من مات فاستراح ميت إنما الميت ميت الأحياء
وذكر العلماء أن بينهما فرقا دلاليا، فالتشديد يستعمل لما مات وما لم يمت، ودليله قولهتعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)، في حين أن التخفيف يطلق على من وقع عليه الموت(٤).
التذكير والتأنيث :
لعل من نافلة القول أنه لا نزاع بين العلماء في تذكير الأسماء إذا كان الاسم مذكرا حقيقيا كأعلام المذكرين العقلاء، كما أنه لا خلاف بينهم في التأنيث إذا كان المؤنث حقيقيا كأسماء الأعلام للإناث العاقلات، إنما يقع الخلاف بينهم إذا كان المؤنث مجازيا كالطريق والسوق والسبيل والدار وما إلى ذلك، فبينما قصد بعض العرب إلى التذكير عمد آخرون إلى التأنيث.

(١) جامع البيان ٣/٣١٨، ٦/٣٠٩ والكشف ١/٣٣٩، والكنز ٣١٠ والبحر ١/٨٣
(٢) المنصف٢/١٥، ١٧
(٣) الشاهد من بحر الخفيف
(٤) جامع البيان ٣/٣١٨، ٦/٣٠٩، والكشف ١/٣٣٩، والكنز ٣١٠، والبحر ١/٨٣


الصفحة التالية
Icon