وكل الكلمات التي أنثت أفعالها مؤنثة لفظا ماخلا (سبيل) فتأنيثها معنوي، وهذه مثل (الطريق والدار)، وهي مذكرة في لغة تميم ونجد، ومؤنثة في لغة الحجاز(١)، وقد جمع القرآن ـ بما فيه قراءة حفص ـ بين اللغتين، فالمذكر في قوله: "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا" والمؤنث في قوله تعالى: "هذه سبيلي".
نلحظ أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى إبان هذه الظاهرة، فلم يكن فيها شذوذ، ومن ثم لم يكن فيها مخالفة للقاعدة النحوية الخاصة بالمذكر والمؤنث، وربما يكون هذا مما ساعد على شيوعها ونشرها.
الإفراد والجمع :
تحرص اللغات على تمييز فكرة الإفراد وفكرة الجمع، ففي الكثرة الغالبة منها يوجد مفرد وجمع، ولكنها تتخذ في هذا المعنى العقلي العام طرائق شتي لتصويره والتعبير عنه، فمن اللغات ما يميز في الصيغة بين المفرد وغيره، فيكون للمفرد صيغة ولغيره أخرى مثني كان أو جمعا، وهذا شأن معظم اللغات الأوربية، أما اللغات السامية ـ والعربية إحداها ـ فتتخذ لهذا ثلاث صيغ: إحداها للمفرد والثانية للمثني والثالثة للجمع، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، إنما نجد لغة كالعربية تفرق بين الجموع في حالتي القلة والكثرة، فتجعل لكلٍ صيغا معروفة متفقا عليها(٢).
ولن يعرض الباحث لموضوع الإفراد والجمع كما تصوره كتب الصرف والنحو، وإنما يتم له ذلك من خلال قراءة حفص، إذ ثمة كلمات احتملت قراءاتها بالإفراد والجمع للتعرف على موقف قراءة حفص من مثل تلك الكلمات، وما الذي جعل مثل تلك الكلمات تحتمل القراءتين؟.
موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة :

(١) انظر: معاني الأخفش ١/٣٠١ وجامع البيان ١١/٣٩٥ والبحر ٤/١٤١ وانظر: المذكر والمؤنث للفراء ٨٧، والمذكر والمؤنث لابن جني ٧٢، والكشف ١/٤٣٣
(٢) لمزيد من ذلك انظر: أسرار اللغة ١٥٢


الصفحة التالية
Icon