والكافُ في قوله: ﴿كَمَآ آمَنَ النَّاسُ﴾ في محلِّ نصبٍ. وأكثرُ المُعْرِبينَ يجعلون ذلك نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، والتقدير: آمنوا إيماناً كإيمانِ الناس، وكذلك يقولون في: "سِرْ عليه حثيثاً"، أي سيراً حثيثاً، وهذا ليس من مذهب سيبويه، إنما مذهبُه في هذا ونحوِه أن يكونَ منصوباً على الحالِ من المصدرِ المفهومِ من الفعلِ المتقدمِ.
وإنما أَحْوَجَ سيبويهِ إلى ذلك أنَّ حَذْفَ الموصوفِ وإقامةَ الصفةِ مُقامَه لا يجوز إلا في مواضعَ محصورةٍ، ليس هذا منها، وتلك المواضعُ أن تكونَ الصفةُ خاصةً بالموصوفِ، نحو: مررت بكاتبٍ، أو واقعةً خبراً نحو: زيد قائم، أو حالاً نحو: جاء زيدٌ راكباً، أو صفةً لظرف نحو: جلستُ قريباً منك، أو مستعمَلةً استعمالَ الأسماء، وهذا يُحْفَظُ ولا يقاس عليه، نحو: الأَبطح والأَبْرق، وما عدا هذه المواضعَ لا يجوزُ فيها حذفُ الموصوف، ألا ترى أن سيبويه منع: "ألا ماءَ ولو باردا"، وإنْ تقدَّم ما يدل على الموصوف، وأجاز: ألا ماءَ ولو بارداً لأنه نَصْبٌ على الحال.
و "ما" مصدريةٌ في محلِّ جر بالكاف، و "آمَنَ الناسُ" صلتُها. واعلم أن "ما" المصدريةَ تُوصَلُ بالماضي أو المضارعِ المتصرِّف، وقد شَذَّ وصلُها بغيرِ المتصرِّف في قوله:
١٩١-..................... * بما لَسْتُما أهلَ الخيانةِ والغَدْرِ وهل تُوصل بالجمل الاسمية؟ خلافٌ، واستُدِبَّ على جوازه، بقوله:
١٩٢- واصِلْ خليلَك ما التواصلُ مُمْكِنٌ * فلأنْتَ أو هُو عن قليلٍ ذاهبُ
وقول الآخر:
١٩٣- أحلامُكم لِسَقامِ الجَهْل شافيةٌ * كما دماؤُكُمُ تَشْفي من الكَلَب
وقول الآخر:
١٩٤- فإنَّ الحُمْرَ من شرِّ المَطايا * كما الحَبِطاتُ شَرُّ بني تميمِ
(١/١٠٠)
---


الصفحة التالية
Icon