إلا أنَّ ذلك يكثُر فيها إذا أَفْهَمَتِ الزمانِ كقوله: "واصلْ خليلَك. البيت. وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن تكونَ "ما" كافةً للكاف عن العمل، مثلُها في قولك: ربما قام زيد. ولا ضرورةَ تَدْعو إلى هذا، لأنَّ جَعْلَها مصدريةً مُبْقٍ للكافِ على ما عُهِدَ لها من العملِ بخلافِ جَعْلِها كافةً. والألفُ واللامُ في "الناس" تحتملُ أن تكونَ جنسيةً أو عهديةً. والهمزةُ في "أنؤمن" للإنكار أو الاستهزاءِ، ومحلُّ "أنؤمن" النصبُ بـ "قالوا".
وقوله: ﴿كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ﴾: القولُ في الكافِ و "ما" كالقول فيهما فيما تقدَّم، والألفُ في السفهاء تحتمل أن تكونَ للجنسِ أو للعهدِ، وأَبْعَجَ مَنْ جَعَلها للغلَبةِ كالعَيُّوق، لأنه لم يَغْلِبْ هذا الوصفُ عليهم، بحيث إذا قيل السفهاءُ فُهِمَ منهم ناسٌ مخصوصون، كما يُفْهخم من العيُّوق/ كوكب مخصوص.
والسَّفَهُ: الخِفَّةُ، تقول: "ثوبٌ سفيه" أي خفيفُ النَّسْج. وقوله:﴿أَلاا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَاكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ كقولِه فيما تقدَّم: ﴿أَلاا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَاكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ فلا حاجة إلى إعادتِه. ومعنى الاستدراكِ كمعناه فيما تقدَّم، إلا أنه قال هناك: "لا يشعرون"، لأن المثبتَ لهم هناكَ هو الإفسادُ، وهو ممَّا يُدْرِكُ بأدنى تأمُّلٍ لأنه من المحسوسات التي لا تحتاج إلى فكرٍ كبير، فَنَفَى عنهم ما يُدْرَكُ بالمشاعرِ وهي الحواسُّ مبالغةً في تَجْهيلهم وهو أنَّ الشعور الذي قد ثَبَتَ للبهائم منفيٌّ عنهم، والمُثْبَتُ هنا هو السَّفَهُ والمُصَدَّرُ هو الأمرُ بالإيمان وذلك ممَّا يَحتاج إلى إمعان فكرٍ ونظرٍ تامٍ يُفْضي إلى الإِيمانِ والتصديقِ، ولم يَقَعْ منهم المأمورُ به وهو الإيمانُ، فناسَبَ ذلك نفيَ العلمِ عنهم. ووجهٌ ثان وهو أن السَّفَه هو خِفَّةُ العقل والجهلُ بالأمور، قال السمَوْءَل:
(١/١٠١)
---