قوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوااْ﴾ تقدَّم نظيرُه، والأكثرُ في "خلا" أن يتعدَّى بإلى، وإنما تعدَّى في هذه الآية بإلى لمعنى بديعٍ، وهو أنه إذا تعدَّى بالباء احتمل معنيين أحدهما: الانفرادُ، والثاني: السخرية والاستهزاءُ، تقول: "خَلَوْتُ به" أي سَخِرْتُ منه، وإذا تعدَّى بإلى كان نَصَّاً في الانفرادِ فقط، أو تقول: ضُمِّن خَلا معنى صَرَف فتعدَّى بإلى، والمعنى: صَرفوا خَلاهم إلى شياطينهم، أو تضمَّن معنى ذهبوا وانصرفوا فيكون كقول الفرزدق:
١٩٦- ألم تراني قالِباً مِجنِّي * قد قَتَل اللهُ زياداً عنِّي
أي: صرفه بالقتل، وقيل: هي هنا بمعنى مع، كقوله: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوااْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ وقيل: هي بمعنى الباء، وهذان القولان إنما يجوزان عند الكوفيين، وأمَّا البصريون فلا يجيزون التَجوُّز في الحروف لضَعْفِها. وقيل: المعنى وإذا خَلَوا من المؤمنين إلى شياطينهم، فـ "إلى" على بابِها، قلت: وتقديرُ "مِن المؤمنين" لا يجعلُها على بابِها إلاَّ بالتضمينِ المتقدِّم.
والأصل في خَلَوْا: خَلَوُوْا، فَقُلِبَتِ الواوُ الأولى التي هي لامُ الكلمة ألفاً لتحركِها وانفتاحِ ما قبلها، فبقيَتْ ساكنةً، وبعدَها واوُ الضميرِ ساكنةٌ، فالتقَى ساكنان، فحُذِف أوَّلُهما وهو الألفُ، وبَقِيَتِ الفتحةُ دالَّةً عليهَا.
و "شياطينهم" جمعُ شيطان جمعَ تكسيرٍ، وقد تقدَّم القولُ في اشتقاقه فوزن شياطين: إمَّا فعاليل أة فعالين على حَسَب القَوْلينِ المتقدِّمَيْنِ في الاستعاذة. والفصيح في "شياطين" وبابِه أن يُعْرَبَ بالحركاتِ لأنه جمعُ تكسيرٍ، وفيه لُغَيَّةٌ رديئةٌ، وهي إجراؤُه إجراءَ الجمعِ المذكر السالم، سُمع منهم: "لفلانٍ بستانٌ حولَه بساتون"، وقرئ شاذاً: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطونُ﴾.
(١/١٠٣)
---