قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أن تتعلَّق الباءُ بالفعل قبلها والباءُ حينئذٍ للسببية، أي: نَزَّله بسبب الحق. والثاني: أن تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها حالٌ: إمَّا من الفاعلِ أي: نَزّله مُحِقّاً، أو من المفعولِ أي: نَزَّله ملتبساً بالحقِّ نحو: جاء بكرٌ بثيابه أي: ملتبساً بها.
وقال مكيّ: "ولا تتعلَّقُ الباءُ بنَزَّلَ لأنه قد تَعَدَّى إلى مفعولين، أحدُهما بحرفٍ فلا يتعدى إلى ثالثٍ" وهذا الذي ذَكَرَه مكيٌّ غيرُ ظاهر، فإنَّ الفعلَ يتعدَّى إلى متعلِّقاته بحروفٍ مختلفة على حَسَب ما يكونُ، وقد تقدم أنَّ معنى الباء السببيةُ، فأيُّ مانع يمنع من ذلك؟.
قوله: ﴿مُصَدِّقاً﴾ فيه أوجه، أحدُهما: أَنْ يَنْتَصِبَ على الحالِ من "الكتاب"، فإنْ قيل إنَّ "بالحق" حالٌ كانَتْ هذه حالاً ثانية عند مَنْ يُجيز تعدُّد الحالِ، وإنْ لم يُقَلْ ذلك كانت حالاً أولى. والثاني: أن ينتصِب على الحالِ على سبيلِ البديلة من محلِّ "بالحق" وذلك عند مَنْ يمنعُ تعدُّد الحالِ في غير عطفٍ ولا بديلة. الثالث: أن ينتصِبَ على الحالِ من الضميرِ المستكنِّ في "بالحق" إذا جعلناه حالاً، لأنه حينئذٍ يتحمَّلُ ضميراً لقيامِه مقامَ الحالِ التي تتحمَّلُه، وتكونُ حالاً متداخلةً أي: إنها حالٌ من حال، وعلى هذه الأقوال كلِّها فهي حالٌ مؤكِّدةٌ، لأنه لا يكون إلا كذلك، فالانتقال غيرُ متصوَّرٍ فيه، وهو نظير قوله:
١١٥٨ـ أنا ابنُ دارةَ معروفاً بها نسبي * وهَلْ بدارَةَ يا لَلْناسِ مِنْ عارِ
قوله: ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ مفولٌ لمصدِّقا، وزيدت اللمُ في المفعول تقويةً للعامل لأنه فرعٌ، إذا هو أسمُ فاعل كقوله تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ وإنما ادَّعْينا ذلك لأنَّ هذه المادةَ متعدِّية بنفسِهاه.
(٣/٢٣٦)
---


الصفحة التالية
Icon