قوله: ﴿التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ﴾ اختلفَ الناسُ في هاتين اللفظتين: هل يَدْخُلُهما الاشتقاق والتصريف أم لا يدخلانِهما لكونِهما؟ أعجميين؟ فذهب جماعةٌ كالزمخشري وغيرُه إلى الثاني. قالوا: لأنَّ هذين اللفظين اسمان عِبرانيَّان لهذينِ الكتابَيْنِ الشريفين. قال الزمخشري: "وتَكَلُّفُ اشتقاقِهِما من الوَرَىْ والنَّجْل، ووزنُهما بتَفْعِلة وإفْعِيل إما يَثْبُتُ بعد كونهما عربيي". [قال الشيخ: "وكلامُه صحيح، إلا أن فيه استدراكاً وهوقوله: تَفْعِلَة، ولم يذكُرْ مذهب البصريين] وهو أنَّ وزنَها فَوْعَلة، ولم ينبِّه على تَفْعِلَة: هل هي بكسر العين أو فتحها" قلت: لم يَحْتج إلى التنبيه لشهرتِهما، وإنما ذكر المستغربَ. ويؤيدُ ما قاله الزمشخري من كونها أعجميةً ما نقله الواحدي، وهو أنَّ التوراة والإِنجيل والزبور سريانيةُ فَعَرَّبوها قال: "ولذلك يقولون فيها بالسريانية: تُوري ايكليونُ زَفوتا" فعرَّبوها إلى ما ترى.
ثم القائلون باشقاقهما اختلفوا: فلقال بعضُهم: التَوْرَاة مشتقة من قولهم: ورِي الزَّنْدُ إذا قَدَح فظهرَ منه نارٌ. يقال "وَرِيَ الزَّنْدُ" و"أَوْرَيْتُه أنا".
قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ فثلاثيُّهُ قاصرٌ ورباعيةُ متعدٍّ. وقال تعالى: ﴿فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً﴾، ويقال أيضا: "وَرَيْتُ بكل زِنادي" فاستُعْمِلَ الثلاثيُّ متعدياً، إلا أن المازني يزعم أنه لا يُتجاوز به هذا اللفظ، يعني فلا يُقاس عليه، فيقال: "وَرَيْتُ النارَ" مثلاً. إذا تقرر ذلك فلما كانت التوراة فيها ضياءٌ ونورٌ يُخْرَجُ به من الضلال [إلى] الهدى، كما يُخْرَج بالنور من الظلام إلى النور سُمِّي هذا الكتابُ بالتوراة، وهذا هو قولُ الفراء، وهو مذهبُ جمهور الناس.
(٣/٢٣٧)
---


الصفحة التالية
Icon