وأصل اشْتَرَوا: اسْتَرَيُوا، فتحرَّكت الياءُ وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفاً، ثم حُذِفَتْ لالتقاءِ الساكنين، وبَقِيَتِ الفتحةُ دالَّةً عليها، وقيل: بل حُذِفَت الضمة من الياءِ فَسَكَنَتْ، فالتقى ساكنان، فَحُذِفَت الياءُ لالتقائِهما. فإن قيل: فواوُ الجمع قد حُرِّكَت فينبغي أن يعودَ الساكنُ المحذوفُ، فالجوابُ أن هذه الحركةَ عارضةٌ، فهو في حكمِ الساكنِ، ولم يجيءْ ذلك إلا في ضرورةِ شعرٍ، أنشد الكسائي:
٢٠٢- يا صَباحِ لَمْ تنامش العَشِيَّا
فأعاد الألفَ لمَّا حُرِّكَتِ الميمُ حَركةً عارضةً.
و "الضلالةَ" مفعولُه، و "بالهدى" متعلِّق بـ "اشتروا"، والباءُ هنا للعِوض وهي تدخلُ على المتروكِ أبداً. فأمَّا قولُه تعالى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ﴾ فإنَّ ظاهرَه أنَّ الآخرة هي المأخوذةُ لا المتروكةُ، فالجوابُ ما قاله الزمخشري -رحمه الله تعالى- من أن المرادَ بالمُشترين المُبْطِئُون وَعِظُوا بأَنْ يُغَيِّروا ما بهم من النفاقِ ويُخْلِصوا الإيمانَ بالله تعالى وسولِه ويجاهدوا في سبيل الله حَقَّ الجهادِ، فحينئذ إنما دخلتِ الباءُ على المتروكِ.
والشراءُ هنا مجازٌ عن الاستبدالِ بمعنى أنهم لَمَّا تَرَكوا الهدى، وآثروا الضلالةَ، جُعِلوا بمنزلة المشترين لها بالهدى، ثُم رُشِّح هذا المجازُ بقولِه تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ فَأَسْنَدَ الربحَ إلى التجارةِ، والمعنى: فما ربحوا في تجارتهم، ونظيرُ هذا الترشيحِ قولُ الآخر:
٢٠٣- بكى الخَزُّ مِنْ رَوْحٍ وأنكرَ جِلْدَه * وَعجَّتْ عَجيجاً من جُذامَ المَطارِفُ
لمَّا أَسْنَدَ البكاءَ إلى الخَزِّ من أجل هذا الرجل -وهو رَوْحٌ- وإنكارِه لجِلْده مجازاَ رشَّحه بقوله: "وعَجَّت المَطارِف من جُذام" أي: استغاثت الثياب من هذه القبيلة، وقولُ الآخر:
(١/١١٠)
---