٢٠٤- ولَمَّا رأيتُ النَّسْرَ عَزَّ ابنُ دايةٍ * وعَشَّشَ في وَكْرَيْهِ جاشَ له صَدْري
لمَّا جَعَلَ النَّسْرَ عبارةً عن الشيب، وابنَ دايةَ وهو الغرابُ عبارةً/ عن الشباب مجازاً رشَّحه بقوله: "وعَشَّشَ في وَكْريه"، وقولُ الآخر:
٢٠٥- فما أُمُّ الرُّدَيْنِ وإنْ أَدَلَّتْ * بعمالةٍ بأخلاقِ الكرامِ
إذا الشيطانٌ قصَّع في قَفاها * تَنَقَّفْناه بالحَبْل التُّؤامِ
لمَّا قال: "قصَّع في قفاها" أي دخل من القاصعاء -وهي جُحْر من جُحْرة اليَرْبوع- رشَّحه بقولِه: "تَنَقَّفْناه" أي: أخرجناه من النافِقاء، وهي أيضاً كم جُحْرة اليربوع.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ هذه الجملةُ معطوفةٌ على قوله: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ والرِّبْحُ: الزيادةُ على رأس المال، والمهتدي: اسم فاعل من اهتدى، وافتعل هنا للمطاوعة، ولا يكونُ افْتَعَل للمطاوعة إلا من فِعْلٍ متعدٍ. وزعم بعضُهم أنه يجيء من اللازم، واستدلَّ على ذلك بقول الشاعر:
٢٠٦- حتى إذا اشْتضال سُهَيْلٌ في السِّحَرْ * كشُعْلةِ القابِس تَرْمِي بالشَّرَرْ
قال: "فاشْتال افْتَعَل لمطاوعة "شَال" وهو لازمٌ"، وهذا وَهْمٌ من هذا القائل، لأن افتعلَ هنا ليس للمطاوعةِ، بل بمعنى فَعَل المجردِ.
* ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾: "مثلُهم" مبتدأ و "كمثل": جارٌّ ومجروره خبره، فيتعلَّقُ بمحذوف على قاعدةِ الباب، ولا مبالاة بخلافِ مَنْ يقول: إن كافَ التشبيه لا تتعلَّق بشيء، والتقديرُ مَثَلَهم مستقر كمثل وأجاز أبو البقاء وابنُ عطية أن تكونَ الكافُ اسماً هي الخبرُ، ونظَّره بقول الشاعر:
٢٠٧- أَتَنْتَهُون ولن يَنْهَى ذوي شَطَط
كالطَّعْن يَذْهَبُ فيه الزيتُ والفُتُل
(١/١١١)
---