ولا تخلوامِنْ "مِنْ" غالبا، قاله ابن جني. ومِنْ غير الغالب ما تقدَّم من قوله "لَدُنْ أَنت يافع" "لَدُنْ سالمتمونا". وإنْ وقع بعدها لفظُ "غدوة" خاصةً جاز نصبُها ورفعُها، فالنصبُ على خبرِ كان أو التمييزِ، والرفعُ على إضمار "كان" التامةِ، ولولا هذا التقديرُ لَزم إفرادِ "لَدُنْ" عن الإِضافة، وقد تقدَّم أنه لا يجوزُ، فَمِنْ نَصْبِ "غدوة" قولُه:
١١٨١ـ وما زال مُهْرِي مَزْجَرَ الكلبِ منهم * لَدُنْ غدوةً حتى دَنَتْ الغروبِ
واللغة المشهورةةُ بناؤُها، وسببُه شَبَهُها بالحَرْف في لزومِ استعمالٍ واحد، وامتناعَ الإخبار بها بخفلاِ عند ولدي، فإنهما لا يَلْزَمنا استعمالاً واحداً، إذ يكونانت فَضْلةً وعُمْدةً وغايةً وغيرَ غاية بخلاف "لَدُن". ، وقال بعضهم: "عِلَّةُ بنائِها كونُها دالةً على الملاصَقَةِ صفةً ومختصةً بها بخلافِ "عند" فإنها لا تدلُّ على الملاصقةِ، فصارَ فيها مَعنًى لا يَدُلُّ عليه الظرفُ، بل هو من قبيلِ ما يَدُلُّ عليه الحرفُ، فكأنها مُضَمَّنةٌ معنى حرفٍ، كانَ مِنْ حقِّه أن يُوضَعَ لذلك فَلم يُوْضَعْ، كما قالوا في اسم الإشارة.
واللغتان المذكورتان من الإعراب والبناء مختصتان بـ "لدن" المفتوحةِ اللامِ المضمومةِ الدالِ، الواقعِ آخرَها نونٌ، وأمَّا بقيةُ لغاتها على ما سنذكره فإنها مبنيةٌ عند جميع العرب. وفيها عشرُ لغات: الأولى ـ وهي المشهورة ــ، ولدَن ولدِن بفتح الدال وكسرِها، ولَدْن ولُدْن بفتح اللم، وضمها مع سكونِ الدل وكسر النون، ولُدْنَ بالضم والسكون وفتح النون، ولَدْ ولُدْ بفتح اللام وضمها مع سكون الدال، ولَدُ بفتح اللام وضم الدال ولَتْ بإبدال الدالِ تاء ساكنة، ومتى أُضيفت المحذوفةُ النونِ إلى ضميرٍ وَجَبَ ردُّ النونِ.
قوله: ﴿أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ يُحْتمل أن تكونَ مبتدأً وأَنْ تكونَ ضميرَ الفصلِ وأن تكون تأكيداً لاسمِ "إنَّ".
(٣/٢٥١)
---


الصفحة التالية
Icon