قوله: ﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يجوزُ أن يكونَ مجروراً نَسَقَاً على آل فرعون وأن يكونَ مرفوعاً على الابتداء، والخبرُ قولُه بعدَ ذلك: ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ وهذان الاحتمالان جائزان مطلقاً. وخَصَّ أبو البقاء جوازَ الرفعِ بكونِ الكافِ في محلِّ الرفعِ فقال: "فعلى هذا ـ أي على كونِها مرفوعةَ المحلِّ خبراً لمبتدأٍ مضمرٍ ـ يجوزُ في ﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ وجهان أحدُهما: هو جرُّ بالعطفِ/ أيضاً، و"كَذَّبوا" في موضعِ الحالِ، و"قد" معه مضمرةٌ، ويجوزُ أن يكونَ مستأنفاً لا موضعَ له، ذُكِر لشَرْحِ حالِهم، والوجهُ الآخرُ أن يكونَ الكلامُ تَمَّ على فرعون و"الذين مِنْ قبلِهم مبتدأُ، وكَذَبوا خبرُه".
والدَّأْبُ: العادَةُ، يقال: دَأَبَ يَدْأَبُ أي: واظبَ ولازَم، ومنه: "دَأَبا" أي: مداومةً. وقال امرؤ القيس:
١١٨٤ـ كدَأْبِك من أمِّّ الحُوَيْرث قبلها * وجارتِها أمِّ الرَّبابِ بمَأْسَلِ
ويقال: دَأَبَ يدأَبُ دُؤوبا، قال زهير:
١١٨٥ـ لأرتَحِلَنْ بالفجر ثم لأدْأَبَنْ * إلى الليلِ إلاَّ أن يُعَرِّجَني طِفْلُ
وقال الواحدي: الدأَبُ: الإِجهاد والتعبُ، يقال: سار فلان يومه كلَّه يدأَبُ فيه فهو دائِبٌ، أي: أُجْهِدَ في سيره، هذا أصلُه في اللغة، ثم يصير الدأبُ عبارةً عن الحالِ والشأن والعادةِ، لاشتمالِ العمل والجُهْدِ على هذا كله، ولذا قال الزمخشري قال: [الدأب]: مصدرُ دَأَب في العملِ إذا كَدَحَ فيه، فَوُضِعَ مََوْضِعَ ما عليه الإنسان من شأنِه وحاله" ويقال: دَأْب ودَأَب، بسكون الهمزة وفتحها، وهما لغتان في المصدر كالضَّأْن والضَّأَن، والمَعْز والمَعَز. وقرأ حفص "سَبْعَ سنينَ دَأَبا"، بالفتح، قال الفراء: "والعربُ تُثَقِّل ما كان ثانيه من حروفِ الحلق كالنَّعْل والنَّعَل والنَّهْر والنهَر والشَّأْم والشَّأَم" وأشد:
١١٨٦ـ قد سار شرقيُّهم حتى أَتعوا سَبَأً * وانساح غربيُّهم حتى هوى الشَّأَما
(٣/٢٥٧)