قوله تعالى: ﴿سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ﴾ قرأ الأخَوان هذين الفعلين بالغَيْبة، والباقون بالخطاب، والغيبة والخطاب في مثل هذا التركيب واضحانِ كقولِك: "قل لزيد: قم" على الحكاية، وقل لزيد: يقوم، وقد تقدم نحوٌ من هذا في قولِه: ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ﴾. وقال الشيخ في قراءةِ الغَيْبة: "الظاهرُ أنَّ الضميرَ للذين كفروا، وتكونُ الجملةُ إذ ذاك ليست محكيةً بقل، بل محكيةٌ بقول آخر، التقديرُ: قُلْ لهم قَوْلي سَيُغْلَبُون وإخباري أنه ستقعُ عليم الغَلَبَةُ، كما قال: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوااْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ فالبتاءِ أخبرهم بمعنى ما أُخْبر به من أنهم سَيُغْلبون، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أُخبر به أنهم سَيُغْلبون".
وهذا الذي قاله سبقَه إليه الزمخشري فأخَذَه منه، ولكنَّ عبارةَ أبي القاسم أوضحُ فَلْنوردها، قال رحمه الله: "فإنْ قلت: أيُّ فرق بين القراءتين من حيث المعنى؟ قلت: معنى القراءة بالتاء ـ أي من فوق ـ الأمرُ بأَنْ يُخْبرهم بما سَيَجْري عليهم من الغَلَبة والحَشْر إلى جهنم، فهو أخبار بمعنى سَتُغْلبون وتُحْشَرون فهو كائن من نفسِ المتوعَّدِ به، وهو الذي يدل عليه اللفظُ، ومعنى القراءةِ بالياء الأمرُ بأَنْ يحكي لهم ما أَخْبره به من وعيدشهم بفلظه كأنَّه قال: أدِّ إليهم هذا القولَ الي هو قَوْلي لك سَيُغْلبون ويُحْشَرُون".
(٣/٢٥٩)
---


الصفحة التالية
Icon