وجَوَّز الفراء وثعلب أن يكونَ الضميرُ في "سَيُغْلبون ويُحْشرون" لكفار قريش، ويرادُ بالذين كفروا اليهودُ، والمعنى: قُلْ لليهود: سَتُغْلَبُ قريش"، هذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط. قال مكمي: "ويُقَوِّي القراءة بالياء ـ أي: من تحت ـ إجماعُهم على الباء في قوله: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوااْ إِن يَنتَهُواْ﴾، قال: "والتاء ـ يعني من فوق ـ أحَبُّ إليَّ لإِجمع الحرميين وعاصم وغيرهم على ذلك" قلت: ومثلُ إجماعهم على قوله: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوااْ إِن يَنتَهُواْ﴾ أجماعُهم على قولِه: ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ﴾ ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ
؟ وقال الفراء: "مَنْ قرأ بالتاء جَعَل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب، ثم يجوزُ في هذا المعنى الياءُ والتاءُ، كما تقول في الكلام: "قل لعبد الله: إنه قائم وإنك قائم"، وفي حرفِ عبدالله: "﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوااْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ﴾، ومَنْ قرأ بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبةِ اليهود، وأنّ الغلبةَ تقع على المشركين، كأنه قيل: قل يا محمد لليهود سَيُغْلَبُ المشركون ويُحْشرون، فليس يجوزُ في هذا المعنى إلا الياءُ لأنَّ المشركين غَيْبٌ.
قوله: ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ المخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي: بئس المهاد جهنمُ. والحذفُ للمخصوصُ يدلُّ على صحةِ مذهبِ سيبويه من أنه مبتدأ والجملةُ قبلَه خبرُه، ولو كان كما قالَ غيرُه متبدأً منحذوفَ الخبرِ أو بالعكسِ لما حُذِف/ ثانياً للإجحافِ بحَذْفِ سائِر الجملة.
* ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذالِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ ﴾
(٣/٢٦٠)
---


الصفحة التالية
Icon