قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ﴾: جوابُ قسمٍ محذوفٍ، و"آيةٌ" اسمُ كان، ولم يؤنِّث الفعلَ لأنَّ تأنيثَ الآيةِ مجازيٌّ، ولأنها بمعنى الدليل والبرهان، لوجودِ الفصلِ بـ"لكم"، فإنَّ الفصلَ مُسَوِّغٌ لذلك مع كونِ التأنيث حقيقاً كقوله:
١١٨٧ـ إنَّ امرَأً غَرَّه منكنَّ واحدةٌ * بَعْدي وبعدكِ في الدنيا لمغرورُ
وفي خبر "كان" وجهان أحدُهما: أنه "لكم" و"في فئتين" في محل رفع نعتاً لآية. والثاني: أنه "في فئتين". وفي "لكم" حينئذ وجهان، أحدهما: أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من "أية" لأنه في الأصل صفةٌ لآية، فلما قُدِّم نُصِب حالاً. الثاني: أنه متعلِّقٌ بكان، ذكره أبو البقاء، وهذا عند مَنْ يرى أنها تعملُ في الظرف وحرف الجر، ولكنْ في جَعْلِ "في فئتين" الخبرَ إشكالٌ، وهو أن حكمَ اسمِ "كان" حُكْمُ المبتدأِ فلا يجوزُ أن يكونَ اسماً لها إلاَّ ما جاز الاتبداءُ به، وهنا لو جُعِلَتْ "آية" مبتدأً وما بعدها خبراً لم يَجُزْ، إذ لا سوِّغَ للابتداء بهذه النكرة، بخلاف ما إذا جَعلْتَ "لكم" الخبرَ فإنه جائزٌ لوجودِ المسوِّغِ وهو تقدُّمُ الخبرِ حرفَ جر.
قوله: ﴿الْتَقَتَا﴾ في محلِّ جرٍ صفةً لفتئين أي: فئتين ملتقيتين.
قوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ﴾ العامة على رفع "فئة" وفيها أوجهٌ، أحدها: أن يرتفعَ على البدلِ من فاعل "التقتا"، وعلى هذا فلا بدَّ من ضمير محذوفٍ يعودُ على "فئتين" المتقدمتين في الذكر، ليسوغَ الوصفُ بالجملة، إذ لو لم يُقَدَّرْ ذلك لما صَحَّ، لخلوِّ الجملةِ الوصفيةِ من ضميرٍ، والتقديرُ: في فئتين التقَتْ فئةٌ منهما وفئةٌ أخرى كافرة. والثاني: أن يرتفعَ علىخبر ابتداءٍ مضمرٍ تقديرُه: إحداهما فئةٌ تقاتِلُ، فقطع الكلامَ عن أولِه، واستأنفه. ومثلُه ما انشده الفراء على ذلك:
١١٨٨ـ إذا مِتُّ كان الناسُ صِنْفَيْنِ شامتٌ * وآخرُ مُثْنٍ بالذي كنتُ أصنعُ
(٣/٢٦١)
---


الصفحة التالية
Icon