قوله: ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ قرأ نافع وحده من السبعةِ ويعقوب وسهل:: "تَرَوْنهمه" بالخطابِ، والباقون من السعبة بالغَيْبة. فأمَّا قراءةُ نافع ففيها ثمانية أوجه، أحدُها: أن الضميرَ في "لكم" والمرفوعَ في "تَرَوْنهم" للمؤمنين، والضميرَ المنصوب في "تَرَوْنهم" والمجرورَ في "مِثْلَيْهم" للكافرين. والمعنى: قد كان لكم أيها المؤمنون آيةٌ في فئتين بأَنْ رأيتم الكفارَ مثلي أنفسهم في العدد وهو أبلغُ في القدرةِ حيث رأى المؤمنون الكافرين مثلي عددِ الكافرين، ومع ذلك انتصروا عليهم وغَلَبوهم وأَوْقَعوا بهم الأفاعيلَ. ونحُوه: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ واستبَعَدَ بعضُهم هذا التأويلَ لقوله تعالى في الأنفالِ: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِيا أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً﴾، فالقصةُ واحدةٌ، وهناك تَدُلُّ الآية على أن الله تعالى قَلَّل المشركين في أعين المؤمنين لئلا يَجْبُنوا عنه، وعلى هذا التأويلِ المذكور هنا يكون قد كَثَّرهم في أعينهم.
ويمكنُ أن يُجابَ عنه باختلافِ حالَيْنِ، وذلك أنه في وقتٍ أراهم إيَّاهم مثلي عددهم ليمتحنهم ويبتليهم، ثم قَلَّلهم في أعنيهم ليقدُموا عليهم، فالإِتيانُ باعتبارين ومثلُه: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ﴾ مع: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، ﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً﴾ مع: ﴿هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾. وقال الفراء: "المرادُ بالتقليل التهوينُ كقولِك: "رأيتُ كثيرَهم قليلاً" لهوانِهِم عندَ، وليس من تقليلِ العدد في شيء".
(٣/٢٦٥)
---


الصفحة التالية
Icon