الثاني: أن يكونَ الخطاب في "تَرَوْنهم" للمؤمنين أيضاً، والضميرُ المنصوبُ في "ترونهم" للكافرين أيضاً، والضميرُ المجرورِ في "مِثْلَيْهم" للمؤمنين، والمعنى: تَرَوْن أيها المؤمنون الكافرين مثلي عددِ أنفسكم، وهذا تقليلٌ للكافرين عند المؤمنين في رأيِ العين، وذلك أنَّ الكفارَ كانوا ألفاً ونَيِّفاً والمسلمونُ على الثلث منهم، فأراهم إياهم مِثْلَيْهم، على ما قَرَّر عليم من مقاومةِ الواحدِ للاثنين في قوله تعالى: ﴿فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ بعد ما كُلِّفوا أن يقاومَ واحدٌ العشرةَ في قوله تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾. قال الزمخشري: "وقراءةُ نافع لا تساعد عليه" عين على هذا التأويلِ المذكور، ولم يُبَيِّنْ وجه عدمِ المساعدةِ، وكأنَّ الوجَه ي ذلك ـ والله أعلم ـ أنه كان ينبغي أن يكونَ التركيب: "تَرَوْنهم مثليكم" بالخطاب في "مثليكم" لا بالغَيْبة. وقال أبو عنبدالله الفاسي ـ بعد ما ذكرته عن الزمخشري :"قلت: بل يساعِدُ عليه إن كان الخطابُ في الآية للمسلمين، وقد قيل ذلك" انتهى، فلم يأتِ أبو عبدالله بجوابٍ، إذ الإشكالُ باقٍ.
وقد أجابَ بعضُهم عن ذلك بجوابين، أحدُهما: أنه من باب الالتفات من الخطاب إلى الغَيبة وأن حقَّ الكلام: "مِثْلَيْكم" بالخطاب، إلا أنه التفتَ إلى الغَيْبة، ونظَّره بقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم﴾. والثاني: أن الضميرَ في "مِثْلَيْهم" وإن كان المرادُ به المؤمنين إلا أنه عادَ على قوله: ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، والفئة المقاتِلة هي عبارةٌ عن المؤمنين المخاطبينَ، والمعنى: تَرَوْن أيها المؤمنون الفئةَ الكافرة مِثْلَيْ الفئةِ المقاتلةِ في سبيل الله، فكأنه قيل: تَرَوْنَهم أيَها المؤمنون مِثْلَيْكُم. وهوَ جوابٌ حسنٌ ومعنى واضحٌ.
(٣/٢٦٦)
---


الصفحة التالية
Icon