قولُه تعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ هذه الجملةُ الظاهرُ أنَّها جوابُ "لَمَّا". وقال الزمخشري: "جوابُها محذوفٌ، تقديرُه: فلمَّا أضاءَتْ خَمَدَت"، وجَعَل هذا أبلَغَ من ذِكْرِ الجواب، وجعلَ جملةَ قوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ مستأنفة أو بدلاً من جملة التمثيل. وقد رَدَّ عليه بعضُهم هذا بوجْهَيْن أحدهما: أنَّ هذا تقديرٌ مع وجودِ ما يُغْني عنه فلا حاجةَ إليه، إذ التقديراتُ إنما تكونُ عند الضروراتِ. والثاني: أنه لا تُبَدَلُ الجملةُ الفعليةُ من الجملةِ الاسميةِ.
و "بنورهم" متعلِّقٌ بـ "ذَهَبَ"، والباءُ فيها للتعدية، وهي مرادِفَةٌ للهمزة في التعديةِ، هذا مذهبُ الجمهورِ، وزَعَمَ أبو العباس أنَّ بينهما فَرْقاً، وهو أن الباءَ يلزَمُ معها مصاحبةُ الفاعل للمفعولِ في ذلك الفعلِ الذي فَعَلَه به والهمزةُ لا يَلْزَمُ فيها ذلك. فإذا قلتَ: "ذهبْتُ بِزيد" فلا بد أن تكونَ قد صاحَبْتَه في الذهاب فذهبْتَ معه، وإذا قلت: "أَذْهَبْتَه" جاز أن يكونَ قد صَحِبْتَه وألاَّ يكونَ. وقد رَدَّ الجمهورُ على المبرِّد بهذه الآية لأنَّ مصاحَبَتَه تعالى لهم في الذهابِ مستحيلةٌ. ولكن قد أجاب أبو الحسنِ ابنُ عصفور عن هذا بأنه يجوزُ ان يكونَ تعالى قد أَسْنَدَ إلى نفسِه ذهاباً يليقُ به كما أَسْند إلى نفسِه المجي والإتيان على معنى يليقُ به، وإنما يُرَدُّ عليه بقولِ الشاعر:
٢١٩- ديارُ التي كانت ونحن على مِنى * تَحِلُّ بنا لولا نَجاءُ الرِّكائِب
أي: تَجْعلنا حلالاً بعد أن كنا مُحْرِمين بالحَجّ، ولم تكن هي مُحْرِمةً حتى تصاحبَهم في الحِلّ، وكذا قول امرئ القيس:
٢٢٠- كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْدُ عن حالِ مَتْنِه * كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ المُتَنَزَّلِ
الصَّفْوُ: الصخرة، وهي لم تصاحِبْ الذي تَزِلُّه.
(١/١١٧)
---