والضميرُ في "بنورِهم" عائدٌ على معنى "الذي" كما تقدَّم، وقال بعضُهم: هو عائدٌ على مضافٍ محذوفٍ تقديرُه: كمثلِ أصحابِ الذي استوقدَ، واحتاج هذا القائلُ إلى هذا التقديرِ قال: "حتى يتطابقَ المشبَّهُ والمشبَّهُ به، لأنَّ المشبَّهَ جمعٌ، فلو لم يُقَدَّرْ هذا المضافُ وهو "أصحاب" لَزِم أن يُشَبِّه الجمعَ بالمفردِ وهو الذي استوقد" انتهى. ولا أدري ما الذي حَمَلَ هذا القائلَ على مَنْعِ تشبيه الجمعِ بالمفردِ في صفةٍ جامعةٍ بينهما، وأيضاً فإنَّ المشبَّهَ به إنما هو القصتان، فلم يقع التشبيهُ إلا بين قصتين إحداهما مضافةٌ إلى جمع والأخرى إلى مفردٍ.
قولُه تعالى: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ هذه جملةٌ معطوفةٌ على قوله "ذَهَبَ الله". وأصل الترك: التخليةُ، ويُراد به التصييرُ، فيتعدَّى لاثنين على الصحيح، كقولِ الشاعر:
٢٢١- أَمَرْتُكَ الخير فافعلْ ما أُمِرْتَ به * فقد تَرَكْتُكَ ذا مال وذا نَشَبِ
فإن قُلْنا: هو متعدٍّ لاثنين كان المفعولُ الأول هو الضميرَ، والمفعولُ الثاني "في ظلمات" و "لا يُبْصرون" حالٌ، وهي حالٌ مؤكدة لأنَّ مَنْ كان في ظلمة فهو لا يُبْصِرُ، وصاحبُ الحالِ: إمّا الضميرُ المنصوبُ أو المرفوعُ المستكنُّ في الجارِّ والمجرورِ. ولا يجوزُ أن يكونَ "في ظلمات" حالاً، و "لا يُبْصِرون" هو المفعولَ الثاني لأن المفعولَ الثاني خبرٌ في الاصل، والخبرُ لا يؤتَى به للتأكيد، وأنت إذا جعلت "في ظلمات" حالاً فُهِمَ منه عَدَمُ الإبصارِ، فلم يُفِدْ قولُك بعد ذلك لا "يُبْصرون" إلا للتأكيدَ، لكنَّ التأكيدَ ليس من شأن الإخبار، بل من شأنِ الأحوال لأنها فَضَلاتٌ. ويؤيِّد ما ذكرتُ أن النَّحْويين لَمَّا أَعربُوا قولَ امرئ القيس:
٢٢٢- إذا ما بكى مِنْ خَلْفِها انصَرفَتْ له * بشقٍّ وشِقٍّ عندنا لم يُحَوَّلِ
(١/١١٨)
---


الصفحة التالية
Icon