الثاني: أنَّ "حَصَرِت" حالٌ من فاعل "جاؤوكم" وإذا وقعت الحال فعلاً ماضياً ففيها خلافٌ: هل يَحْتاج إلى اقترانهِ بـ "قد" أم لا؟ والراجحُ عدُ الاحتياجِ لكثرة ما جاء منه، فعلى هذا لا تُضْمَرُ "قد" قبل "حَصِرَتْ" ومَنِ اشترط ذلك قَدَّرها هنا. والثالث: أَنَّ "حَصِرَتْ" صفةٌ لحالٍ محذوفةٍ تقديرُه: أو جاؤوكم قوماً حَصِرَتْ صدورُهم. وسَمَّاها أبو البقاء حالاً مُوَطِّئَة، وهذا الوجهُ يُعْزَي للمبرد أيضاً/ الرابع: أن يكون في محل جَرٍّ صفةً لقوم بعد صفة، و"أو جاؤوكم" معترضٌ. قال أبو البقاء: "يَدُلُّ عليه قراءةُ مَنْ أسقط "أو" وهو أُبَيُّ، كذا نقله عنه الشيخ، والذي رأيتُه في إعرابه إسقاطُ "أو جاؤوكم" جميعه وهذا نَصُّه قال: "أحدهما: هو جَرٌّ صفةً لقوم وما بنهما صفة أيضاً، و"جاؤوكم" معترضٌ، وقد قرأ بعضُ الصحابة بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم، بحذف "أو جاؤوكم" هذا نَصُّه، وهو أوفق لهذا الوجهِ.
الخامس: أن يكونَ بدلاً من "جاؤوكم" بدلَ اشتمال لأن المجيء مشتملٌ على الحَصْر وغيره، نقله الشيخ عن أبي البقاء أيضاً. السادس: أنه خبرٌ بعد خبر، وهذه عبارة الزجاج، عين أنها جملة مستأنفة، أَخْبر بها عن ضيقِ صدرو هؤلاء عن القتال بعد الإخبار عنهم بما تقدَّم: قال ابن عطية بعد حكاية قولِ الزجاج: "يُفَرَّق بين الحال وبين خبر مستأنف في قولك: "جاء زيد ركب الفرسَ" أنك إذا أردت الحال بقولك "رَكَب الفرس" قَدَّرْتَ"قد"، وإن أردت خبراً بعد خبر لم تحتج إلى تقديرها" السابع: أنه جواب شرط مقدر تقديره: إن جاؤوكم حصرت، وهو رأي الجرجاني، وفيه ضَعْفٌ لعدم الدلالة على ذلك.
وقرأ الجمهور: "حَصِرَتْ" فعلاً ماضياً، والحسن وقتادة ويعقوب: "حَصِرةً" نصباً على الحال بوزن "نَبَقَة" وهي تؤيد كونَ "حَصِرت" حالاً، ونقلها المهدوي عن عاصم في رواية حفص، ورُوي عن الحسن أيضاً: "حَصِراتٍ" و"حاصراتٍ".
(٥/٨٨)
---