قوله: ﴿إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ﴾ فيه قولان، أحدهما: أنه استثناء منقطع. والثاني: أنه متصلٌ، قال الزمخشري: "فإنْ قلت: بمَ تَعَلَّق "أَنْ يصَّدَّقوا" وما محلُّه؟ قلت: تَعَلَّق بـ "عليه" أو بِـ "مُسَلَّمَةٌ" كأنه قيل: وتَجِبُ عليه الدِّية أو يسلِّمها إلا حين يتصدقون عليه، ومحلُّها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان، كقولهم: "اجِلسْ ما دام زيد جالساً" ويجوز أن يكون حالاً من "أهله" بمعنى إلا مصتدقين". وخَطَّأه الشيخ في هذين التخريجين، أما الأول فلأنَّ النحويين نَصُّوا على منع قيام "أَنْ" وما بعدَها مقامَ الظرف، وأنَّ ذلك ما تختص به "ما" المصدريةُ لو قلت: "آتيك أن يصيحَ الديك" أي: وقت صياحِه لم يجز. وأما الثاني فنصَّ سيبويه على منعه أيضاً قال في قول العرب: "أنت تنازلَ، أو أن تخاصمَ" أي: أنت لارجل نزالا ومخاصمة: "إنَّ انتصابَ هذا انتصابَ هذا انتصابُ المفعول من أجله، لأنَّ المستقبل لا يكون حالاً" فكونُه منقطعاً هو الصوابُ. وقال أبو البقاء: "وقيل: هو متصلٌ، والمعنى: فعليه دِيَةٌ في كل حال إلا في حال التصدُّ عليه بها".
والجمهور على "يَصَّدَّقوا" بتشديد الصادن والأصل يتصدَّقوا، فأغمت التاء في الصاد. ونقل عن أُبيّ هذا الأصلُ قراءةً، وقرأ أبو عمر في روايةِ عبد الوراث- وتُعْزى للحسن وأبي عبد الرحمن -: "تَصَدَّقوا" بتاء الخطاب والأصل: تَتصدقوا بتاءين، فَأُدغمت الثانية. وقُرئ: "تَصْدُقوا" بتاء الخطاب وتخفيف الصاد، وهي كالتي قبلها، إلا أنَّ تخفيفَ هذه بحذفِ إحدى التاءين: الأولى أو الثانية على خلاف في ذلك، وتخفيفَ الأولى بالإدغام.
(٥/٩٣)
---