قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ﴾: "توفَّاهم" يجوز أن يكون ماضياً، وإنما لم تحلق علامة التأنيث للفعل لأن التأنيث مجازي، و يدل على كونِه فعلاً ماضياً قراءةُ "توفَّتْهم" بتاء التأنيث، ويجوز أن يكون مضارعاً حُذِفت إحدى التاءين منه، والأصلُ: تتوفاهم.
و"ضالمي" حالٌ من ضمي "توفَّاهم" والإضافةُ غير محضة، إذ الأصل: ظالمين أنفسَهم. وفي خبر "إنَّ" هذه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه محذوفٌ تقديرُه: إنَّ الذين توفَّاهم الملائكةُ هَلَكوا، ويكون قوله: ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾ مبيِّناً لتلك الجملةِ المحذوفةِ. الثاني: أنه ﴿فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ ودخلت الفاءُ زائدةً في الخبر تشبيهاً للموصول باسمِ الشرط، ولم تمنع "إنَّ" من ذلك، والأخفش يمنعه، وعلى هذا فيكون قولُه: ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾ إمَّا صفةً لـ"ظالمي" أو حالاً للملائكة، و"قد" معه مقدرةٌ عند مَنْ يشترط ذلك، وعلى القول بالصفة فالعائد محذوف أي: ظالمين أنفسَهم قائلاً لهم الملائكة. والثالث: أنه "قالوا فيم كنتم"، ولا بد من تقدير العائد أيضاً أي: قالوا لهم كذا، و"فيم" خبر "كنتم" وهي "ما" الاستفهامية حُذِفت ألفها حين جُرَّتْ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك عند قوله: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللَّهِ﴾ والجملة من قوله: "فيم كنتم" في محل نصب بالقول. "وفي الأرض" متعلقٌ بـ "مستضعفين"، ولا يجوز أن يكون "في الأرض" هو الخبرَ، و"مستضعفين" حالاً، كما يجوز ذلك في نحو: "ان زيدٌ قائماً في الدار" لعدمِ الفائدةِ في هذا الخبر.
(٥/١٠٠)
---