وقال الزجاجُ: "هو متعلِّقٌ بما تضمَّنه اسم الله من لمعاني كقولك "أميرُ المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب". قال ابن عطية: "هذا عنيد أفضل الأقوال وأكثرُها إحرازاً لفصاحة اللفظ، وحزالة المعنى. وإيضاحُه أنه أراد أن يَدَلَّ على خَلْقه وآثارِ قدرته وإحاطته واستيلائه نحو هذها لصفات، فَجَمع هذه كلِّها في قوله: ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ أي: الذي له هذه كلُّها في السموات وفي الأرض، كأنه قال: وهو الخالق والرازق والمُحْيي والمحيط في السموت والأرض، كما تقول: "زيد السلطان في الشام والعراق" فلو قصدت ذات زيد لكان محالاً، فإذ كان مقصدُ قولك: [زيد] الآمرُ الناهي الذي يولِّي ويَعْزِل كان فصيحاً صحيحاً، فأقمت السلطنة مُقامَ هذه الصفات، كذلك في الآية الكريمة أقمت "الله" مقام تلك الصفات".
قال الشيخ: "ما ذكره الزجاج، وأوضحه ابن عطية صحيح من حيث المعنى، لكن صناعة النحو تساعد عليه؛ لأنهما زعما أن "في السموات" متعلق باسم الله لِما تَضَمَّنه من تلك المعاني، ولو صرح بتلك المعاني لم تعمل فيه جميعها، بل العمل من حيث اللفظُ لواحدٍ منها، وإن كان "في السموات" متعلقاً بجميعها من حيث المعتى، بل الأوْلى أن يتعلَّق بلفظ "الله" لِما تضمَّنه من معنى الألوهية، وإن كان عَلماً لأن العلمَ يَعْمَلُ في الظرف لِما يتضمنه من المعنى كقوله:
١٨٦٣- أنا أبو المِنْهالِ بعضَ الأحيانْ
فـ "بعضَ" نصب بالعلمَ لأنه في معنى أنا المشهور". قلت: قوله "لو صُرِّح بها لم تعمل" ممنوعٌ، بل تعمل ويكون عملُها على سبيل التنازع، مع أنه لو سكت عن الجواب لكان واضحاً، ولما ذكر الشيخ ما قاله الزمخشري قال: "فانظر كيف قَدَّر العاملَ فيها واحداً لا جميعَها" يعني أنه اسنتصربه فيما رَدَّ به على الزجاج وابن عطية.
(٦/١٢٤)
---