والفرق بين قوله ﴿لأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾ [وقوله]: "ما لم نمكِّن لكم" أنَّ "مَكَّنه في كذا": أَثْبته فيها، ومنه: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ وأمَّا مكَّن له فمعناه جعل له مكاناً ومنه، ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ﴾ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ﴾ ومثله: "أَرَضَ له" أي جعل له أرضاً، هذا قول الزمخشري. وأمَّا الشيخ فإنه يظهر من كلامه التسوية بينهما فإن قال: "وتَعَدِّي مَكَّن هنا للذوات بنفسه وبحرف الجر، والأكثرُ تعديتُه باللام: ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ﴾ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ﴾ وقال أبو عبيدة: "مكَّنَّاهم ومكَّنَّاهم لهم: لغتان فصيحتان نحو: نَصَحْتُه ونَصَحْتُ له". [قلت: وبهذا قال] أبو علي والجرجاني.
قوله: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾ في "ما" هذه خمسة أوجه، أحدها: أن تكون موصولةً بمعنى الذي، وهي حينئذ صفة لموصوف محذوف، والتقدير: التمكين الذي لم نمكِّن لكم، والعائد محذوف أي: الذي لم نمكَّنه لكم. الثاني: أنها نكرةٌ صفةٌ لمصدر محذوف تقديره: تمكيناً ما لم نمكِّنه لكم، ذكرهما الحوفي. وردَّ الشيخ الأول بأن "ما" بمعنى الذي لا تكون صفةً لمعرفة وإن كان "الذي يقع صفة لها، ولو قلت: "ضرب الضرب ما ضَرَبَ زيدٌ" تريد الضربَ الذي ضربه زيد، لم يجز، فإن قلت: "الضرب الذي ضربه زيد" جاز. ورَدَّ الثاني بأن "ما" لانكرة التي تقع صفةً لا يجوز حَذْفُ موصوفِها، لو قلت: "قمت ما وضربت ما" وأنت تعني: قمت قياماً ما، وضرباً ما، لم يجز".
(٦/١٢٩)
---


الصفحة التالية
Icon