الثالث: أن تكون مفعولاً بها لـ"مَكَّن" على المعنى، لأن معنى مكَّنَّاهم: أعطيناهم ما لم نُعْطِكُمْ، ذكره أبو البقاء قال الشيخ: "هذا تضمينٌ، والتضمين لا ينقاس" الرابع: أن تكون "ما" مصدريةً، والزمان محذوف، أي: مدةَ ما لم نمكِّن لكم، والمعنى: مدة انتفاء التمكين لكم. الخامس: أن تكون نكرةً موصوفة بالجملة المنفيَّة بعدها والعئد محذوف، أي: شيئاً لم نمكِّنْه لكم، ذكرهما أيضاً أبو البقاء قال الشيخ في الأخير: "وهذا أقرب إلى الصواب" قلت: ولو قدَّره أبو البقاء بخاص لكان أحسن من تقديره بلفظ شيء فكان يقول: مكنَّاهم تمكيناً لم نمكنه لم.
والضمير في "يروا" قيل: عائد على المستهزئين، والخطاب في "لكم" راجع إليهم أيضاً فيكون على هذا التفاتاً فائدتُه التعريض بقلَّة تمكُّن هؤلاء ونَقْصِ أحوالهم عن حال أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حَلَّ بهم الهلاك فكيف وأنتم أقلُّ منهم تمكيناً وعَدَداً؟ وقال ابن عطية: "والمخاطبة في "لكم" هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم ولسائر الناس كافة، كأنه قيل: ما لم نمكِّن يا أهل هذا العصر لكم، ويحتمل أن يُقَدِّر معنى القول لهؤلاء الكفرة، كأنه قال: يا محمد قل لهم: ألم يروا كم أهلكنا الآية، فإذا أخبرت أنك قُلْتَ - أو أَمَرْتَ أن يقال - فَلَكَ في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها فتجيءَ بلفظ المخاطبة، ولك أن تجيء بالمعنى في الألفاظ بالغيبة دون الخطاب". انتهى ومثاله: "قلت لزيدك ما أكرمك، أو ما أكرمه".
والقَرْن: لفظ يقع على معانٍ كثيرة، فالقرن: الأمَّة من الناس، سمُّوا بذلك لاقترانهم في مدة من الزمان، ومنه قوله عليه السلام: "خيرُ القرون قرني". وقال الشاعر:
١٨٦٤- أُخَبِّرُ أخبارَ القُرونِ التي مَضَتْ * أَدِبُّ كاني كلما قُمْتُ راكِعُ
وقال قس بن ساعدة:
١٨٦٥- في الذاهبين الأوَّلِيـ *ـنَ من القرون لنا بصائِرْ
(٦/١٣٠)
---


الصفحة التالية
Icon