وقيل: أصله الارتفاع، ومنه قَرْنُ الثور وغيره، فَسُمُّوا بذلك الارتفاع السنِّ. وقيل: لأن بعضهم يُقْرَن ببعض ويُجعل مجتمعاً معه، ومنه القَرَن للحَبْلِ يُجمع به بين البعيرين، ويُطلق على المائدة من الزمان أيضاً.
وهل إطلاقه على الناس والزمان بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز؟ الراجح الثاني؛ لأن المجازَ خيرٌ من الاشتراك. وإذا قلنا بالراجح فإنها الحقيقة، الظاهر أنه القوم لأنَّ غالبَ ما يُطلق عليهم، والغَلَبة مؤذنةٌ بالأصالة غالباً. وقال ابن عطية: "القرن أن يكون وفاة الأشياخ وولادة الأطفال، ويَظْهر ذلك من قوله تعالى: ﴿وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾ فجعله معنى، وليس بواضح. وقيل: القرن: الناس المجتمعون، قلَّت السنون أو كَثُرت، واستدلوا بقوله عليه السلام: "خيرُ القرونِ قَرْني" وبقوله:
١٨٦٦- في الذاهبين الأوَّليـ *ـنَ من القرون لنا بصائرْ
وبقوله:
١٨٦٧- إذا ذَهَبَ القومُ الذي كنتَ فيهمُ * وخُلِّفْتَ في قَرْن فأنت غريبُ
فأطلقوه على الناس بقيد الاجتماع. ثم اختلف الناس في كمية القرن حالة إطلاقه على الزمان فالجمهور أنه مئة سنة، واستدلوا له بقوله عليه السلام: "يعيش قرناً" فعاش مائة سنة. وقيل: مئة وعشرون قاله إياس بن معاوية وزارة بن أبي أوفى. وقيل: ثمانون نقله صالح عن ابن عباس: وقيل: سبعون قاله الفراء. وقيل: ستون لقوله عليه السلام: "معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين" وقيل: أربعون، حكاه محمد بن سيرين، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الزهراوي أيضاً يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل وثلاثون حكان النقاش عن أبي عبيدة، كانوا يرون أن ما بين القرنين ثلاثون سنة. وقيل: عشرون، وهو رأي الحسن البصري. وقيل: ثمانية عشر عاماً. وقيل: هو المقدار الوسط من أعمال أهل ذلك الزمان، واستحسن هذا بأنَّ أهل الزمن القديم كانوا يعيشون أربعمئة سنة وثلثمئة وألفاً وأكثر وأقل.
(٦/١٣١)