---
وقدَّر بعض الناس في قوله تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ أهلاً، أي: أهل قرن؛ لأنَّ القرنَ الزمانُ، ولا حاجة إلى ذلك إلا على اعتقاد أنه حقيقةٌ فيه، مجاز في الناس، وقد قدَّمْتُ أن الراجحَ خلافُه.
قوله: ﴿مَّدْرَاراً﴾ حال من "السماء" إن أريد بها السحابُ، فإنَّ السحابَ يوصفُ بكثرة التتابع أيضاً، وإن أريد به الماء فكذلك. ويدلُّ على أنه يراد به الماءُ قولُه في الحديث "في أثر سماء كانت من الليل" ويقولون: ما نزلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، ومنه:
١٨٦٨- إذا نَزَل السماءُ بأرضِ قومٍ * رَعَيْناه وإن كانوا غضابا
أي: رَعَيْنا ما ينشأ عنه. وإن أريد بها هذه المِظَلَّةُ فلا بد من حذف مضافٍ حينئذ أي: مطر السماء، ويكون "مدراراً" حالاً منه. ومدرار مِفْعال وهو للمبالغة كامرأة مِذْكار ومِئْناث. قالوا: وأصله مِن "دَرِّ اللبن" وهو كثرةُ ورودِه على الحالبِ ومنه: "لا درَّ درُّه" في الدعاء عليه بقلة الخير. وفي المثل: "سبقَتْ دِرَّتُ غِرارَه" وهي مثلُ قولهم: "سبقَ سيلُه مَطَرَه". واستدَّرت المِعْزى كناية عن طلبها الفحل، قالوا: لأنَّها إذا طَلَبَتْه حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ فَدَرَّت.
قوله: ﴿تَجْرِي﴾ إنْ جعلنا "جَعَلَ" تصييرية كان "تجري" مفعولاً ثانياً، وإن جعلناها إيجادية كان حالاً. و"من تحتهم" يجوز فيه أوجه: أن يكون متعلقاً بـ"تجري"، وهذا هو الذي ينبغي أن لا يُعْدَلَ عنه، وأن يكون حالاً: إمَّا من فاعل "تجري" أو من "الأنهار" وأن يكون مفعولاً ثانياً لـ"جعلنا"، و"تجري" على هذا حال من الضمير في الجار، وفيه ضعف لتقدُّمها على العامل المعنوي، ويجوز أن يكون "من تحتهم" حالاً من "الأنهار" كما تقدَّم، و"تجري" حال من الضمير المسكنِّ فيه، وفيه الضعف المتقدم.
(٦/١٣٢)
---


الصفحة التالية
Icon