قوله تعالى: ﴿ثُمَّ انْظُرُواْ﴾: عطف على "سيروا" ولم يجئ في القرآن العطفُ في مثل هذا الموضع إلا بالفاء، وهنا جاء بـ"ثم" فيحتاج إلى فرق، فذكر الزمخشري الفرق وهو: أَنْ جَعَل النظر مسبِّباً عن السير في قوله: ﴿انْظُرُواْ﴾ كأنه قيل: "سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سيرَ الغافلين" وهنا معناه إباحةُ السَّيْر في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبَّه على ذلك بـ"ثم" لتباعد ما بين الواجب "والمباح".
قال الشيخ: "وما ذكره أولاً متناقض لأنه جعل النظر مُتَسَبِّباً عن السير، فكان السير سبباً للنظر، ثم قال: فكأنه قيل: سيروا لأجلِ النظر، فجعل السيرَ معلولاً بالنظر، والنظرُ سببٌ له فتناقضا، ودعوى أن الفاء سببية دعوى لا دليلَ عليها، وإنما معناها التعقيب فقط، وأمَّا:"زنى ماعِزٌ فَرُجم" ففَهْمُ السببية من إباحة وفي غيره سيرَ إيجاب؟ قلت: هذا اعتراضٌ صحيح إلا قولَه"إن الفاء لا تقيد السببية" فإنه غير مُرْضٍ، ودليلُه في غير هذا الموضوع. ومثل هذا المكان في كون الزمخشري جعل شيئاً علة ثم جعله معلولاً ما سيأتي إن شاء الله في أول الفتح ويأتي هناك جوابه.
(٦/١٣٨)
---