قوله: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ "غيرَ" مفعول مقدم لـ "تَدْعون" وتقديمُه: إمَّا للاختصاص كما قال الزمشخري: "بَكَّتهم بقوله: أغير الله تَدْعُون، بمعنى، أَتَخُصُّون آلهتَكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرٌّ أم تدعون اللَّهَ دونها، وإمَّا للإنكار عليهم في دعائهم للأصنام؛ لأن المُنْكَر إنما هو دعاءُ الأصنامِ لا نفسُ الدعاء، ألا ترى أنك إذا قلت "أزيداً تضربُ" إنما تُنْكِرُ كونَ "زيد" مَحَلاً للضرب ولا تُنْكر نفسَ الضرب، وهذا من قاعدةٍ بيانية قَدَّمْتُ التنبيهَ عليها عند قوله تعالى: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
. قوله: ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ جوابُه محذوف لدلالة الكلام عليه وكذلك معمولُ "صادقين" والتقدير: إن كنتم صادقين في دعواكم أنَّ غيرَ الله إلهٌ فهل تَدْعُونه لكشْف ما يَحُلُّ بكم من العذاب؟
* ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾: "بل" حرفُ إضراب وانتقال لا إبطالٍ، لِما عَرَفْتَ غيرَ مرة من أنها في كلام الله كذلك. و"إياه" مفعول مقدَّم للاختصاص عند الزمخشري، ولذلك قال: "بل تَخُصُّونه بالدعاء، وعند غيره للاعتناء، وإن كان ثَمَّ حَصْرٌ واختصاص فِمِنْ قرينة أخرى. "وإياه" ضمير منصوب منفصل تقدّضم الكلامُ عليه مشبعاً في الفاتحة وقال ابن عطية: "هنا "إيَّا" اسم مضم أُجري مُجرى المظهران في أنه مضاف أبداً" قال الشيخ: "وهذا خلافُ مذهبِ سيبويه، فإنَّ مذهب سيبويه أن ما بعد "إيَّا" حرفٌ يُبَيِّن أحوال الضمير، وليس مضافاً لما بعده، لئلاَّ يلزمَ تعريفُ الإضافةِ، وذلك يستدعي تنكيره، والضمائر لا تَقْبَلُ التنكير فلا تقبل الإضافة.
(٦/٢١٨)
---


الصفحة التالية
Icon