قوله: ﴿إِنْ شَآءَ﴾ جوابه محذوف لفهم المعنى، ودلالة ما قبله عليه، أي: إنْ شاء أن يكشِفَ كشف، وادِّعاءُ تقديمِ جواب الشرط هنا واضحٌ لاقترانه بالفاء، فهو أحسنُ مِنْ قوله: "أنت ظالم إن فعلت" لكن يمنع مِنْ كونها جواباً هنا أنها سببيَّةٌ مرتبة أي: أنها أفادَتْ ترتُّبَ الكشفِ على الدعاء، وأن الدعاءَ سببٌ فيه، على أن لنا خلافاً في فاء الجزاء: هل تفي السببيَّة أولا؟
قوله: ﴿وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ الظاهر في "ما" أن تكون موصولةً اسمية، والمرادُ بها ما عُبِد مِنْ دون الله مطلقاً: العقلاءُ وغيرُهم، إلا أنه غَلَّب غيرَ العقلاء عليهم كقوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ والعائدُ محذوفٌ أي ما تُشْركونه مع الله في العبادة. وقال الفارسي:"الأصلُ: وتَنْسَون دعاءَ ما تشركون، فحذف المضاف" ويجوز أن تكونَ مصدريةً، وحينئذ لا تحتاج إلى عائد عند الجمهور. ثم هل هذا المصدر باق على حقيقته؟ أي: تَنْسَون الإشراكَ نفسَه لِما يلحقُكم من الدَّهْشَة والحَيْرة، أو هو واقعٌ موقعَ المعفول به، أي: وتنسَوْن المُشْرَك به وهي الأصنام وغيرها، وعلى هذا فمعناه كالأول وحينئذ يحتمل السياقُ أن يكون على بابه من الغفلة، وأن يكون بمعنى الترك، وإن كانوا ذاكرين لها أي للأصنام وغيرها.
* ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ﴾: في الكلام حَذْفٌ تقديره: أَرْسَلْنا رسلاً إلى أمم فكذَّبوا فأخذناهم، وهذا الحذفُ ظاهرٌ جداً، و"مِنْ قبلك" متعلِّق بأَرْسلنا، وفي جعله صفةً لأمم كلامٌ تقدَّم غير مرة، وتقدَّم تفسيرُ البأساء والضرَّاء، ولم يُلْفَظْ لهما بمذكَّر على أَفْعَل.
(٦/٢٢١)
---


الصفحة التالية
Icon