* ﴿ فَلَوْلاا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾: "إذ" منصوب بـ "تَضرَّعوا" فَصَلَ به بين حرف التحضيض وما دخل عليه، وهو جائز حتى في المفعول به، تقول: "لولا زيداً ضَرَبْتَ" وتقدَّم أن حرف التحضيض مع الماضي يكون معناه التوبيخ.
والتضرُّع: تفعُّل من الض‍‍َّراعة، هي الذِّلَّة والهيئة المسبِّبة عن الانقياد إلى الطاعة يقال: ضَرَعَ يَضْرَعُ ضَ﴿اعة فهو ضارعٌ وضَرِع قال:
١٩٢٧- لِيُبْكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومَةٍ * ومختبطٌ ممَّا تُطيح الطوائِحُ
وللسهولة والتذلُّل المهفهومة من هذه المادة اشتقُّوا منها للثدي اسماً فقالو له "ضَرْعاً"
قوله: {وَلَاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
"لكنْ" هنا واقعة بين ضدين، وهما اللين والقسوة؛ وذلك أن قولَه "تَضَرَّعوا" مُشْعِرٌ بالين والسهولة، وكذلك إذا جَعَلْتَ الضراعةَ عبارة عن الإيمان، والقسوة عبارة عن الكفر، وعَبَّرت عن السبب بالمسبِّب وعن المسبِّب بالسبب، ألا ترى أنك تقول: "آمَنَ قلبُه فتضرَّع، وقسا قلبه فكفر" وهذا أحسن من قول أبي البقاء: "ولكن" استدراك على المعنى، أي ما تضرَّعوا ولكن" يعني أن التحضيض في معنى النفي، وقد يترجَّح هذا بما قاله الزمشخري فإنه قال: "معناه نَفْيُ التضرُّعِ كأنه قيل: لم يتضروعا إذ جاءهم بأْسُنا، ولكنه جاء بـ "لولا" ليفيد أنه لم يكنْ لهم عذرٌ في ترْك التضرُّع إلا قسوةُ قلوبهم وإعجابُهم بأعمالهم التي زيَّنها الشيطان لهم".
(٦/٢٢٢)
---


الصفحة التالية
Icon