وقوله: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ﴾ هذه الجملة تحتلمل وجهين، أحدهما: أن تكون استنافيةً، أخبر تعالى عنهم بذلك. "والثاني: وهو الظاهر -: أنها داخلةٌ في حَيِّز الاستدارك فهي نسقٌ على قوله: ﴿قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وهذا رأيُ الزمخشري فإنه قال: "لم يكن لهم عُذْرٌ في ترك التضرع إلا قسوةُ قلوبهم وإعجابُهم بأعمالهم" وقد تقدَّم ذلك. و"ما" في قوله: ﴿مَا كَانُواّ﴾ يحتمل أن تكونَ موصولةً اسمية أي: الذي كانوا يعملونه وأن تكونَ مصدرية، أي: زَيَّن لهم عملَهم، كقوله: ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ ويَبْعُد جَعْلُها نكرةً موصوفة.
* ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوااْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿فَتَحْنَا﴾: قرأ الجمهور "فَتَحْنا" مخفَّفاً، وابن عامر "فتَّحنا" مثقلاً، والتثقيلُ مُؤْذِنٌ بالتكثير؛ لأنَّ بعده "أبواب" فناسب التكثير، والتخفيف هو الأصل. وقرأ ابنُ عامر أيضاً في الأعراف: ﴿لَفَتَحْنَا﴾ وفي القمر: ﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ﴾ بالتشديد أيضاً، وشدَّد أيضاً ﴿فُتِحَتْ يَأْجُوجُ﴾ والخلاف أيضاً في ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ في الزمر في الموضعين، ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ﴾ في النبأ، فإن الجماعة وافقوا بان عامر على تشديدها، ولم يَقْرَأْها بالتخفيف إلا الكوفيون، فقد جرى ابن عامر على نمطٍ واحد في هذا الفعل، والباقون شدَّدوا في المواضع الثلاثة المشارِ إليها، وخفَّفوا في الباقي جَمْعاً بين اللغتين.
قوله: ﴿فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ﴾ "إذا" هي الفجائية وفيها ثلاثة مذاهب مذهب سيبويه أنها ظرف مكان، ومذهب جماعة منهم والرياشي أنها ظرفُ زمانٍ، ومذهب الكوفيين أنها حرف. فعلى تقدير كونها ظرفاً مكاناً أو زماناً الناصبُ لها خبر المبتدأ، أي أُبْلِسوا في مكان إقامتهم أو في زمانها.
(٦/٢٢٣)
---