وقد طعن أبو عبيد القاسم بن سلام على هذه القراءة فقال: "إنما نرى ابن عامر والسلمي قرآ تلك القراءة إتباعاً للخط، وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها، لأنهم كتبوا الصلاة والزكاة بالواو ولظُهما على تَرْكها، وكذلك الغداة، على هذا وجدنا العرب". وقال الفارسيُّ: "الوجه قراءة العامة بالغداة، لأنها تستعمل نكرة ومعرفة بالام، فأمَّا "غُدْوَة" فمعرفة وهو عَلَمٌ وُضِع للتعريف، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن تدخل عليه الألف واللام للتعريف، كما لا تَدْخُل على سائر الأعلام، وإن كانت قد كُتِبَتْ بالواو لأنها لا تدلُّ على ذلك. ألا ترى الصلاة والزكاة بالواو ولا تُقرآن بها، فكذلك الغداة. قال سيبويه: "غُدْوة وبُكْرة جُعِل كلُّ واحد منهما اسماً للحين، كما جعلوا "أم حُبَيْن" اسماً لدابَّةٍ معروفة". إلا أنَّ هذا الطعنَ لا يُلتفت إليه، وكيف يُظَنُّ بمَنْ تَقَدَّم أنهم يَلْحنون، والحسن البصري ممن يُسْتَشْهد بكلامِه فضلاً عن قراءته، نصر بن عاصم شيخ النحاة أخذ هذا العلمَ عن أبي الأسود ينبوعِ الصناعة، وابن عامر لا يَعْرف اللحن لأنه عربي، وقرأ على عثمان بن عفان وغيره من الصحابة، ولكن أبا عبيد - رحمه الله - لم يعرف أن تنكير "غدو" لغة ثانية عن العرب حكاها سيبويه والخليل.
قال سيبويه: "زعم الخيل أنه يجوز أن تقول: "أَتيتُكَ اليوم غُدْوةً وبُكْرة" فجعلها مثل ضَحْوة، قال المهدوي: "حكى سيبويه والخليل أنَّ بعضَهم يُنَكِّر فيقول "غُدْوةً" بالتنوين، وبذلك قرأه ابن عامر، كأنه جعله نكرة، فأدخل عليها الألف واللام" وقال أبو الفارسي: "وجه دخول الألف واللام عليها أنه يجوز وإن كانت معرفةً أن تُنَكِّر، كما حكى أبو زيد "لقيته فَيْنَةَ" غير مصروفة "والفَيْنَةَ بعد الفينة" أي: الحين بعد الحين، فألحق لام التعريف ما استعمل معرفة، ووجه ذلك أنه يُقَدَّر فيه التنكير والشيوع كما يُقَدَّر فيه ذلك إذا بني".
(٦/٢٢٩)
---


الصفحة التالية
Icon