وقوله: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ﴾ كالذي قبله، إلا أنَّ هنا يتمنع بعض ما كان جائزاً هناك، وذلك أن قوله "من حسابك" لا يجوز أن يُنْصَبَ على الحال لأنه يلزمُ تقدُّمه على عامله المعنوي، وهو ضعيفٌ أو ممتنع، لا سيما وقد تقدَّمَتْ هنا على العامل فيها وعلى صاحبها، وقد تقدَّم لك أن الحال إذا كانت ظرفاً أو حرفَ جر كان تقديمُها على العامل المعنويِّ أحسنَ منه إذا لم يكن كذلك، فحينئذ لك أن تجعل قوله "مِنْ حسابك" بياناً لا حالاً ولا خبراً حتى تخرجَ من هذا المحذورِ، وكَوْنُ "مِنْ" هذه تبعيضيةً غيرُ ظاهر، وقدَّم خطابَه عليه السلام في الجملتين تشريفاً له، ولو جاءت الجملة الثاينة على نَمَط الأولى لكان التركيب: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ﴾ فتقدَّم المجرور بـ "على" كما قَدَّمه في الأولى، لكنه عَدَل عن ذلك لما تقدم.
وفي هاتين الجملتين ما يُسَمِّيه أهل البديع: ردَّ الأعجاز على الصدور، كقولهم: "عادات السادات سادات العادات"، ومثله في المعنى قول الشاعر:
١٩٣١- وليس الذي حَلَّلْتَه بمُحَلَّلٍ * وليس الذي حَرَّمْتَه بمُحَرَّم
(٦/٢٣٢)
---