وقال الزمخشري: - بعد كلامٍ قَدَّمَه في معنى التفسير - "فإن قلت أما كفى قولُه: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ حتى ضمَّ إليه ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ﴾ قلت: قد جُعِلَتِ الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقُصِد بهما مُؤدَّىً واحدٌ وهو المَعْنِيُّ بقوله: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ ولا يَسْتَقِلُّ بهذا المعنى إلا الجملتان جميعاً كأنه قيل: لا تُؤاخَدُ أنت ولا هم بحسابِ صاحبه". قال الشيخ: "قوله: لا تُؤاخَذُ أنت إلى آخره" تركيبٌ غير عربي، لا يجوزُ عَوْدُ الضمير هنا غائباً ولا مخاطباً، لأنه إنْ غائباً فلم يتقدَّمْ له اسمٌ مفرد غائب يعود عليه، إنما تقدَّم قوله "هم" ولا يمكن العَوْدُ عليه على اعتقاد الاستغناء بالمفرد عن الجمع، لأنه يصير التركيب بحساب صاحبهم، وإنْ أُعيد مخاطباً فلم يتقدم مخاطب يعود عليه، إنما تقدَّم قولُه "لا تُؤاخذ أنت" ولا يمكن العَوْدُ إليه، فإنه ضميرٌ مخاطب فلا يعودُ عليه غائباً، ولو أَبْرَزْته مخاطباً منك ولا منهم بحسابِ صاحبه، أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم ولا هم بحسابك، أو لا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم" فتُغَلِّب الخطابَ على الغيبة كما تقول: "أنت وزيد تضربان" والذي يظهر أن كلامَ الزمخشري صحيحٌ، ولكنْ فيه حذفٌ وتقديره: لا يؤاخذ كل واحد: أنت ولا هم بحساب صاحبه، وتكون "انت ولا هم" بدلاً من كل واحد، والضمير، في "صاحبه" عائد على قوله "كل واحد"، ثم إنه وقع في محذور آخر مما أَصْلَحَ به كلام أبي القاسم، وذلك أنه قال: "أولا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم" وهذا التركيبُ يُحتمل أن يكونَ المرادُ - بل هو الظاهر - نفيَ المؤاخذة بحساب كل واحد بالنسبة إلى نفسه هو، لا أن كلَّ واحد غير مؤاخذ بحساب غيره، والمعنى الثاني هو المقصود.
(٦/٢٣٣)
---