---
والجواب أنه قد تقدم في الاية المشبهة لهذه أن "فوق عباده" فيه خمسة أوجه، ثلاثة منها تَتَحَمَّلُ فيها ضميراً وهي: كونه خبراً ثانياً أو بدلاً من الخبر أو حالاً، وإنما اضطررنا إلى تقدير مبتدأ قبل "يُرْسِلُ" لأن المضارع المثبتَ إذا وقع حالاً لم يقترنْ بالواو، وقد تقدَّم إيضاحُ هذا غيرَ مرة. والخامس: أنها مستأنفةٌ سِيقت للإخبار بذلك، وهذا الوجهُ هو في المعنى كالثاني.
وقوله: ﴿عَلَيْكُم﴾ يحتمل ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه متعلق بيرسل، ومنه: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا﴾ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً﴾ إلى غير ذلك. والثاني: أنه متعلق بـ "حَفَظَة". يقال: حَفِظْتُ عليه عمله، فالتقدير: ويُرْسل حَفَظَة عليكم. قال الشيخ: "أي يحفظون عليكم أعمالهم كما قال: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ كما تقول: حَفِظْتُ عليك ما تعمل" فقوله: "كما قال: إن عليكم لحافظين" تشبيه من حيث المعنى لا أن "عليكم" تعلق بحافظين؛ لأن "عليكم" هو الخبر لـ "إن" فيتعلق بمحذوف. والثالث: أنه متعلِّقٌ بمحذوف على أنه حال من "حفظة" إذ لو تأخَّر لجاز أن يكون صفةً لها.
قال أبو البقاء: "عليكم" فيه وجهان أحدهما: هو متعلِّق بيرسل، والثاني: أن يكون في نية التأخير وفيه وجهان، أحدهما: أن يتعلَّقَ بنفس "حَفَظة" والمفعول محذوف أي: يرسل عليكم مَنْ يحفظ أعمالكم. والثاني: أن يكون صفةً لـ "حَفَظة" قُدِّمَتْ فصارت حالاً" انتهى. قوله: "المفعول محذوف" يعني مفعول "حفظة" إلا أنه يُوهم أنَّ تقديرَ المفعول خاصٌّ بالوجه الذي ذكره، وليس كذلك بل لا بد من تقدير على كل وحه، و"حَفَظَة" إنما عمل في ذلك المقدَّر لكونه صفةً لمحذوف، تقديره: ويرسل عليكم ملائكة حفظة، لأنه لا يعمل إلا بشروطٍ هذا منها، أعني كونه معتمداً على موصوف.
(٦/٢٥٤)
---


الصفحة التالية
Icon