والجمهور على "اسْتَهْوَتْهُ" بتاء التأنيث وحمزة "استهواه" وهو على قاعدِته من الإمالة، الوجهان معروفان ممَّا تقدَّم في: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ وقرأ ابو عبد الرحمن والأعمش: "استهوَتْه الشيطان" بتأنيث الفعل والشيطان مفردٌ قال الكسائي: "وهي كذلك في مصحف ابن مسعود" وتوجيهُ هذه القراءة أنها نُؤوِّل المذكر بمؤنث كقولهم: "أتته كتابي فاحترقها" أي: صحيفتي، وتقدم له نظائر. وقرأ الحسن البصري: "الشياطون" وجعلوها لحناً ولا تصل إلى اللحن، إلا أنها لُغَيَّةٌ دريئةٌ، سُمِع: حول بسان فلانٍ بساتون، وله سَلاطون، ويحكى أنه لمَّا حُكِيَتْ قراءة الحسن لحَّنه بعضهم، فقال الفراء: "أَيْ والله يُلحِّنون الشيخ، ويستشدون بقول رؤبة" ولعمري لقد صدق الفراء في إنكار ذلك. والمراد بالذي الجنس، ويحتمل أن يُراد به الواحدُ الفذُّ.
قوله: ﴿فِي الأَرْضِ﴾ فيه أربعةُ أوجه، أحدها: أنه متعلقٌ بقوله: ﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾ الثاني: أنه حال من مفعول "استهوته" الثالث: أنه حال من "حَيْران" الرابع: أنه حال من الضميري المستكنّ في "حيران" و"حَيْان" حال: إمَّا من هاء "اسْتَهْوَتْه" على أنها بدل من الأولى أو عند مَنْ يُجيز تَعَدُّوها، وإمَّا من "الذي" وإمَّا من الضمير المستكنِّ في الظرف، وحيران مؤنَّثُه حَيْرى، ولذلك لم ينصرف والفعل حار يحار حَيْرةً وحَيَراناً وحَيْرورة.
قوله: ﴿لَهُ أَصْحَابٌ﴾ جملة في محصل نصب صفة لحيران، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في حيران وأن تكون مستأنفةً و"إلى الهدى" متعلِّقٌ بـ"يَدْعُونه" وفي مصحف ابن مسعود وقراءته: "أتينا" بصيغة الماضي، و"إلى الهدى" على هذه القراءة متعلِّقٌ به، وعلى قراءة الجمهورِ: الجملة الأمريَّة في محل نصب بقول مضمر اي: يقولون ائتنا، والقول المضمر في محلِّ صفةٍ لأصحاب وكذلك "يدعونه".
(٦/٢٧٢)
---