قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ﴾: "تلك" إشارة إلى الدلائل المتقدمة في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِيا إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. ويجوز في "حُجَّتنا" وجهان، أحدهما: أن يكون خبر المبتدأ وفي "آتيناها" حينئذٍ وجهان، أحدهما: أنه في محل نصب على الحال والعامل فيها معنى الإشارة، ويدل على ذلك التصريحُ بوقوع الحال في نظيرتها كقوله تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾. والثاني: أنه في محل رفع على أنه خبرٌ ثانٍ أخبر عنها بخبرين، أحدهما مفرد والآخر جملة. و الثاني من الوجهين الأولين: أن تكون "حُجَّتنا" بدلاً أو بياناً لتلك، والخبر الجملة الفعلية.
وقال الحوفي: "إن الجملة مِنْ "ىتَيْناها" في موضع النعت لـ "حُجَّتنا" على نية الانفصال، إذ التقدير: حجة لنا"، يعني الانفصال من الإِضافة ليحصُلَ التنكيرُ المسوِّغُ لوقوعِ الجملة صفةً لحُجَّتنا، وهذا لا ينبغي أن يقال، وقال أيضاً: "إن "إبراهيم" مفعول ثان لآتيناها، والمفعول الأول هو "ها"، وقد قدَّمْتُ لك في أوائل البقرة أن هذا مذهب السهيلي عند قوله ﴿آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾، وأنَّ مذهبَ الجمهورِ أن تَجْعل الأولَ ما كان عاقلاً والثاني غيرَه، ولا تبالي بتقديمٍ ولا تأخير.
قوله: "على قومه" فيه وجهان أحدهما: أنه متعلقٌ بـ "آتينا" قاله ابن عطية والحوفي أي: أظهرناها لإِبراهيم على قومه. والثاني: أنها متعلقة بمحذوف على أنها حال أي: آتيناها إبراهيم حجةً على قومه أو دليلاً على قومه، كذا قدَّره أبو البقاء، ويلزم من هذا التقدير أن تكون حالاً مؤكدة، إذ التقدير: وتلك حُجَّتنا آتيناها له حجةً.
(٦/٣٠٤)
---