قوله: "نرفع" فيه وجهان الظاهر منهما: أنها مستأنفة لا محل لها من الإِعراب. الثاني: - جوَّزه أبو البقاء وبدأ به - أنها في موضع الحال من "آتيناها" يعني من فاعل "آتيناها"، أي: في حال كوننا رافعين، ولا تكون حالاً من المفعول إذ لا ضمير فيها يعود إليه. ويُقْرأ "نرفع" بنون العظمة وبياء الغيبة، وكذلك "يشاء". وقرأ أهل الكوفة "درجات" بالتنوين وكذا التي في يوسف، والباقون بالإِضافة فيهما، فقراءة الكوفيين يحتمل نَصْبُ "درجات" فيها من خمسة أوجه أحدها: أنها منصوبةٌ على الظرف و "مَنْ" مفعول "نرفع" أي: نرفع مَنْ نشاء مراتب ومنازل. والثاني: أن ينتصبَ على أنه مفعول ثان قُدِّم على الأول، وذلك يحتاج إلى تضمين "نرفع" معنى فعلٍ يتعدَّى لاثنين وهو "يُعْطي" مثلاً، أي: نعطي بالرفع مَنْ نشاء درجات أي: رُتَباص، والدرجات هي المرفوعة كقوله: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾، وفي الحديث: "اللهم ارفع درجته في عليين" فإذا رُفعت الدرجةُ فقد رُفِعَ صاحبها. والثالث: أن ينتصب على حذف حرف الجر أي: إلى منازل وإلى درجات. الرابع: أن ينتصبَ على التمييز، ويكن منقولاً من المفعولية، فيؤول إلى قراءة الجماعة إذ الأصل: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ بالإِضافة ثم حُوِّل كقوله: ﴿وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً﴾ أي: عيون الأرض. الخامس: أنها منتصبةٌ على الحال وذلك على حذف مضاف أي: ذوي درجات. ويشهد لهذه القراءةِ قولُه تعالى: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ﴾ ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى
. وأمَّا قراءة الجماعة: فدرجات مفعول "نرفع"، والخطاب في "إنَّ ربك" للرسول محمد عليه السلام، وقيل: لإِبراهيم الخليل، فعلى هذا يكون فيه التفات من الغَيْبة غلى الخطاب مُنَبِّهاً بذلك على تشريفه له.
(٦/٣٠٦)
---


الصفحة التالية
Icon