قوله: ﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ في هذه الكاف أوجه، أحدها: أنها منصوبةُ المحل على الحال من فاعل "جئتمونا"، فَمَنْ أجاز تعدد الحال أجاز ذلك من غير تأويل، ومَنْ منع ذلك جَعَلَ الكافَ بدلاً من "فُرادى". الثاني: أنها في محل نصب نعتاً لمصدرٍ محذوف أي: مجيْئُنا مثل مجيئكم يوم خلقناكم، وقدّره مكي: "منفردين انفراداً / مثل حالم أول مرة" والأول أحسن لأن دلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالة الوصف عليه. الثالث: أن الكاف في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في فرادى أي: مشبهين ابتداء خلقكم، كذا قدَّره أبو البقاء، وفيه نظر؛ لأنهم لم يُشَبَّهوا بابتداء خلقهم، وصوابه أن تقدر مضافاً أي: مُشْبِهةً حالُكم حال ابتداء خلقكم.
قوله ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ منصوب على ظرف الزمان والعامل فيه: خلقناكم، و "مرة" في الأًل مصدر لـ: مرَّ يَمُرُّ مَرَّة، ثم اتُّسع فيها فصارت زماناً، قال أبو البقاء: "وهذا يدلُّ على قوة شبه الزمان، بالفعل". وقال الشيخ: "وانتصب "أول مرة" على الظرف أي: أول زمان، ولا يتقدَّر أول خلق، لأنَّ أولَ خَلْقٍ يَسْتدعي خلقاً ثانياً، ولا يخلق ثانياً إنما ذلك إعادة لا خَلْقٌ". يعني أنه لا يجوز أن تكون المَرَّة على بابها من المصدرية، ويقدر أولَ مرةٍ من الخلق لما ذكر.
قوله: ﴿وَتَرَكْتُمْ﴾ فيها وجهان، احدهما: أنها في محل نصب على الحال من فاعل "جِئْتُمونا"، و "قد" مضمرة على رأيٍ، أي: وقد تركتم. والثاني: أنها لا محلَّ لها لاستئنافها، و "ما" مفعولة بـ "ترك"، و "مَنْ" موصولة اسمية، ويضعفُ جَعْلُها نكرة موصوفة والعائد محذوف أي: ما خوَّلْناكموه، و "ترك" هنا متعدية لواجد لأنها بمعنى التخلية، ولو ضُمِّنَتْ معنى صيَّر تَعَدَّت لاثنين، و "خَوَّل" يتعدى لاثنين لأنه بمعنى أعطى ومَلَّك.
والخَوَل: ما أعطاه الله من النِّعَمِ، قال أبو النجم:
١٩٨٨- كُومُ الذُّرَى من خَوَلِ المُخَوَّلِ
(٦/٣٢٥)
---