إلا أن الناس لما حَكَوا هذا المذهب لم يتعرَّضوا لبناء هذا الظرف بل صَرَّحوا بأنه معرب منصوب، وهو مرفوعُ المحل، قالوا: وإنما بقي على نصبه اعتباراً بأغلب أحواله. وفي كلام الشيخ لَمَّا حكى مذهب الأخفش ما يصرح بأنه مبنيٌّ فإنه قال: طوخرَّجه الأخفش على أنه فاعل ولكنه مبني حملاً على أكثر أحوال هذا الظرف. وفيه نظر لأن ذلك لا يصلح أن يكون علة للبناء، وعللُ البناء محصورة ليس هذا منها، ثم قال الشيخ: "وقد يقال لإضافته إلى مبني كقوله: ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ وهذا ظاهر في أنه جَعَل حَمْله على أكثرِ أحواله علةً لبنائه كما تقدم.
الثالث: أن الفاعل محذوف، و "بينكم" صفة له قامت مقامه، تقديره: لقد تقطَّع وصلٌ بينكم، قاله أبو البقاء، ورَدَّه الشيخ بأنَّ الفاعل لا يُحذف، وهذا غيرُ ردٍّ عليه، فإنه يعني بالحذف عدمَ ذكره لفظاً، وأن شيئاً قام مقامه فكأنه لم يُحْذَفْ. وقال ابن عطية: "ويكون الفعل مسنداً إلى شيء محذوف، أي: لقد تقطع الاتصال بينكم والارتباط ونحو هذا"، وهذا وجهٌ واضح، وعليه فَسَّر الناس. وردَّه الشيخ بما تقدَّم. ويُجاب عنه بأنه عبر بالحذف عن الإِضمار لأن كلاً منهما غير موجود لفظاً. الرابع: أنَّ "بينَكم" هو الفاعل، وإنما بُني لإِضافته إلى غير متمكن كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ ففتح "مثل" وهو تابع لـ "حق" المرفوع، ولكنه بُني لإِضافته إلى غير متمكن، وسيأتي في مكانه. ومثله قولُ الآخر.
١٩٨٩- تَتَداعى مَنْخِراه بدَمٍ * مثلَ ما أثمرَ حُمَّاضُ الجَبَلْ
بفتح "مثل" مع أنها تابعة لـ "دمٍ"، ومثله قول الآخر:
١٩٩٠- لم يمنعِ الشُّربَ منها غيرَ أَنْ نطقَتْ * حمامةٌ في غصونٍ ذاتِ أوقال
بفتح "غير" وهي فاعل "يمنع"، ومثله قول النابغة:
١٩٩١- أتاني أبيتَ اللعنَ أنك لُمْتني * وتلك التي تَسْتَكُّ منها المسامعُ
مقالةَ أَنْ قد قلتَ سوف أنالُه * وذلك مِنْ تلقاء مثلِك رائِعُ


الصفحة التالية
Icon