وقرأ الأعمش ومحمد بن أبي ليلى وأبو بكر في رواية عنه عن عاصم "وجنات" بالرفع وفيها ثلاثة أوجه، أحدها: أنها مرفوعة بالابتداء، والخبر محذوف. واختلفت عبارة المعربين في تقديره: فمنهم مَنْ قَدَّره متقدِّماً، ومنهم من قَدَّره متأخراً، فقدَّره الزمخشري متقدماً أي: وثَمَّ دنات، وقدَّره أبو البقاس "ومن الكرم جنات"، وهذا تقدير حسن لمقابلة قوله "ومن النخل" أي: من النخل كذا ومن الكرم كذا، وقَدَّره النحاس "ولهم جنَّات"، وقدَّره ابن عطية: "ولكم جنات"، ونظيره قراءة ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ بعد قوله: "يطوف عليهم وِلْدانٌ مخلدون بأكواب" أي: ولهم حورٌ عين، ومثل هذا اتَّفَقَ على جوازه سيبويه والكسائي والفراء. وقدَّره متأخراً فقال: أي وجنات من أعناب أخرجناها. قال الشيخ: "ودل على تقديره [قوله] قبلُ "فأخرجنا" كما تقول: أكرمت عبد الله وأخوه أي: وأخوه أكرمته". قلت: وهذا التقدير سبقه إليه ابن الأنباري، فإنه قال: "الجناتُ" رُفِعت بمضمر بعدها تأويلها: وجناتُ من أعناب أخرجناها، فجرى مَجْرَى قول العرب: "أكرمت عبدَ الله وأخوه" تريد: وأخوه أكرمته. قال الفرزدق:
٢٠٢٠- غداةَ أحلَّتْ لابنِ أَصْرَمَ طَعْنَةٌ * حصينٍ عَبيطاتِ السَّدائِفِ والخمرُ
فرفع "الخمر" وهي مفعولة، على معنى: والخمر أَحَلَّها الطعنة. الوجه الثاني: أن يرتفع عطفاً على "قنوان"، تغليباً للجوار، كما قال الشاعر:
٢٠٢١-...................... * وزجَّجْنَ الحواجبَ والعيونا
فنسق "العيون" على "الحواجب" تغليباً للمجاورة، والعيونُ لا تُزَجَّج، كما أن الجنات من الأعناب لا يَكُنَّ من الطَّلْع، هذا نصُّ مذهب ابن الأنباري أيضاً، فتحصَّل له في الآية مذهبان، وفي الجملة فالجواب ضعيف، وقد تقدم أنه من خصائص النعت.
(٦/٣٥٢)
---