وقرأ يحيى بن يعمر: "وَخَلْقهم" بسكون اللام. قال الشيخ: "وكذا في مصحف عبد الله". قلت: قوله "وكذا في مصحف عبد الله" فيه نظر من حيث إن الشكل الاصطلاحي أعني ما يدل على الحركات الثلاث وما يدل على السكون كالجزء منه كانت مصاحفُ السَّلفِ منها مجردة، والضبط الموجود بين أيدينا اليوم أمرٌ حادث، يقال: إن أول مَنْ أحدثه يحيى بن يعمر، فكيف يُنسب ذلك لمصحف عبد الله بن مسعود؟ وفي هذه القراءة تأويلان أحدهما: أن يكون "خَلْقهم" مصدراً بمعنى اختلافهم. قال الزمخشري: أي اختلاقهم للإِفك يعني: وجعلوا لله خَلْقَهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم "والله أمَرَنا بها" انتهى. فيكون "لله" هو المفعول الثاني قُدِّم على الأول. والتأويل الثاني: أن يكون "خَلْقهم" مصدراً بمعنى مخلوقهم. فيكون عطفاً على "الجن"، ومفعوله الثاني محذوف تقديره: وجعلوا مخلوقَهم وهو ما ينحِتون من الأصنام كقوله تعالى: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ شركاءَ لله تعالى.
قوله تعالى: "وخَرَقوا" قرأ الجمهور "خَرَقوا" بتخفيف الراء ونافع بتشديدها. وقرأ ابن عباس بالحاء المهملة والفاء وتخفيف الراء، وابن عمر كذلك أيضاً إلا أنه شدد الراء، والتخفيف في قراءة الجماعة بمعنى الاختلاق. قال الفراء: "يقال خلق الإِفك وخَرَقه واختلقه وافتراه وافتعله وخَرَصَه بمعنى كَذَب فيه"، والتشديد للتكثير لأن القائلين بذلك خلق كثير وجمٌّ غفير، وقيل: هما لغتان، والتخفيف هو الأصل. وقال الزمخشري: "ويجوز / أن يكون مِنْ خرق الثوب إذا شقَّه أي: اشتقُّوا له بنين وبنات". وأمَّا قراءة الحاء المهملة فمعناها التزوير أي: زوَّروا له أولاداً لأن المزوِّر محرِّف ومغيِّرٌ الحقَّ إلى الباطل.
(٦/٣٦٢)
---


الصفحة التالية
Icon