قوله: ﴿وَذِكْرَى﴾ يجوز أن يكونَ في محلِّ رفعٍ أو نصبٍ أو جَرّ. فالرفعُ من وجهين، أحدهما: أنها عطفٌ على "كتابٌ" أي: كتاب وذكرى أي تذكير، فهي اسمُ مصدرٍ وهذا قول الفراء. والثاني من وجهي الرفع: أنها خبرُ مبتدأ مضمر أي: هو ذكرى، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج. والنصبُ من ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدر بفعلٍ من لفظه تقديره: وتَذَكَّرْ ذكرى أي: تذكيراً. والثاني: أنَّها في محلِّ نصب نسقاً على موضع "لتنذرَ" فإنَّ موضعَه نصبٌ، فيكون إذ ذاك معطوفاً على المعنى، وهذا كما تُعْطَف الحال الصريحة على الحال المؤولة كقوله تعالى: ﴿دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً﴾ ويكونُ حينئذ مفعولاً من أجله كما تقول: "جئتك لتكرمَني وإحساناً إليّ". والثالث: قال أبو البقاء: - وبه بدأ - "إنها حالٌ من الضمير في "أُنْزِل" وما بينهما معترض". وهذا سهوٌ فإن الواو مانعة من ذلك، وكيف تدخل الواوُ على حال صريحة؟
والجرُّ من وجهين أيضاً، أحدهما: العطف على المصدر المُنْسَبِكِ من "أَنْ" المقدرة بعد لام كي والفعل، والتقدير: للإِنذار والتذكير. والثاني: العطفُ على الضمير في "به"، وهذا قول الكوفيين. والذي حَسَّنه كونُ "ذكرى" في تقدير حرفٍ مصدري - وهو "أَنْ" - وفِعْلٍ ولو صَرَّح بـ "أَنْ" لحَسُنَ معها حذفُ حرف الجر، فهو أحسنُ مِنْ "مررت بك ويزدٍ" إذ التقديرُ: لأَنْ تُنْذِرَ به وبأن تُذَكِّر.
و "للمؤمنين" يجوز أن تكونَ اللامُ مزيدةً في المفعول به تقويةً له، لأنَّ العاملَ فرعٌ، والتقدير: وتُذَكر المؤمنين. والثاني: أن تتعلَّق بمحذوفٍ لأنه صفة لذكرى.
* ﴿ اتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾
(٧/٦٦)
---


الصفحة التالية
Icon