قوله تعالى: ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلَّق بأُنْزِل، وتكون "مِنْ" لابتداء الغاية المجازية. والثاني: أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حالٌ: إمَّا مِن الموصول، وإمَّا مِنْ عائده القائمِ مقامَ الفاعل.
قوله: ﴿مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾: "من دونه" يجوز أن يتعلق يالفعل قبله، والمعنى: لا تعدلوا عنه إلى غيره من الشياطين والكهان. والثاني: أن يتعلق بمحذوف، لأنه كان في الأصل صفةً لأولياء، فلما تقدَّم نُصِبَ حالاً، وإليه يميل تفسيرٌ الزمخشري فإنه قال: "أي لا تتولَّوا مِنْ دونِه مِنْ شياطين الإِنس والجن فيحملوكم على الأهواء والبِدَع". والضمير في "دونِه" يُحْتمل - وهو الظاهر - أن يعودَ على "ربكم"؛ ولذلك قال الزمخشري: "مِنْ دون الله"، وأن يعودَ على "ما" الموصولة، وأن يعودَ على الكتاب المنزل، والمعنى: لا تعدلوا عنه إلى الكتبِ المنسوخةِ. وقرأ الجحدري: "ابتَغُوا" بالغين المعجمة من الابتغاء. ومالك بن دينار ومجاهد: "ولا تبتغوا" من الاتغاء أيضاً.
قوله: ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ قد تقدَّم نظيرُ هذا في قوله تعالى: ﴿فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾ وهو أنَّ "قليلاً" نعتُ مصدرٍ محذوف أي: تذكُّراً قليلاً تَذَكَّرون، أو نعتُ ظرفِ زمانٍ محذوفٍ أيضاً أي: زماناً قليلاً تَذَكَّرون، فالمصدرُ أو الظرفُ منصوبٌ بالفعل بعده، و "ما" مزيدةٌ للتوكيد، وهذا إعراب جليٌّ واضح. وقد أجاز الحوفي أن يكونَ / نعتَ مصدرٍ محذوف لقوله "ولا تَتَّبعوا" أي: ولا تتبعوا مِنْ دونِه أولياءَ اتِّباعاً قليلاً، وهو ضعيف، لأنه يَصير مفهومُه أنهم غيرُ مَنْهِيِّين عن اتباع الكثير، ولكنه معلومٌ من جهة المعنى فلا مفهوم له.
(٧/٦٧)
---