وحكى ابن عطية عن أبي عليّ أن "ما" مصدريةٌ موصولةٌ بالفعل بعدها، واقتصر على هذا القَدْر، ولا بد من تتمةٍ له، فقال بعض الناس: "ويكون "قليلاً" نعت زمانٍ محذوف، وذلك الزمانُ المحذوف في محل رفع خبراً مقدماً، و "ما" المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر مبتدأ مؤخراً، والتقدير: زمناً قليلاً تذكُّرُكم أي: أنهم لا يقع تذكُّرهم إلا في بعض الأحيان، ونظيرُه: زمناً قليلاً قيامُك". وقد قيل: إن "ما" هذه نافيةٌ، وهو بعيد؛ لأن "ما" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عند البصريين، وعلى تقدير تسليم ذلك فيصير المعنى: ما تذكَّرون قليلاً، وليس بطائل، وهذا كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ عند مَنْ جَعَلَها نافيةً.
وهناك وجهٌ لا يمكنُ أن يأتيَ ههنا وهو: أن تكون "ما" مصدريةً، وهي وما بعدها في محل رفع بالفاعلية بـ "قليلاً" الذي هو خبر "كان"، والتقدير: كانوا قليلاً هجوعُهم، وأمَّا هنا قلا يمكن ذلك لعدمِ صحة نصب "قليلاً" بقوله: "ولا تتَّبعوا" حتى تجعل "ما تذكَّرون" مرفوعاً به. ولا يجوز أن يكونَ "قليلاً" حالاً من فاعل "تَتَّبعوا" و "ما تذكَّرون" مرفوعٌ به، إذ يصير المعنى: أنهم نُهوا عن الاتِّباع في حالِ قلةِ تذكُّرهم، وليس ذلك بمراد.
وقرأ الأخَوان وحفص: تَذَكَّرون" بتاء واحدة وتخفيف الذال، وابن عامر بتاءين وتخفيف الذال، والباقون بتاء وتشديد الذال، وهنَّ واضحات، تقدم معناها في الأنعام.
* ﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ ﴾
(٧/٦٨)
---