قوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾: في "كم" وجهان، أحدهما: أنها في موضعِ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ الجملةُ بعدها، و "من قرية" تمييز، والضمير في "أهلكناها" عائدٌ على معنى كم. وهي هنا خبرية للتكثير، والتقدير: وكثير من القرى أهلكناها. ونقل أبو البقاء عن بعضهم أنه جعل "أهلكناها" صفةً لقرية، والخبرُ قوله: "فجاءها بأسنا" قال: "وهو سهوٌ لأنَّ الفاء تمنعُ من ذلك". قلت: ولو ادَّعى مُدَّعٍ زيادتَها على مذهب الأخفش لم تُقْبَلْ دعواه؛ لأن الأخفش إنما يزيدها عند الاحتياج إلى زيادتها.
والثاني: أنها في موضع نصبٍ على الاشتغال بإضمار فعل يفسِّره ما بعده، ويُقَدَّر الفعلُ متأخراً عن "كم"؛ لأن لها صدر الكلام، والتقدير: وكم من قريةٍ أهلكناها أهلكناها، وإنما كان لها صدرُ الكلام لوجهين أحدهما: مضارعتُها لـ "كم" الاستفهامية. والثاني: أنها نقيضةُ "رُبَّ" لأنها للتكثير و "رُبَّ" للتقليل، فحُمِل النقيضُ على نقيضه كما يحملون النظير على نظيره.
(٧/٦٩)
---