والعالمين: خفضٌ بالإضافةِ، علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ، وهو اسمُ جمع لأن واحدَه من غير لفظِه، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم، لأنَّ الصحيحَ في "عالَم" أنه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَك؛ لأن الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد، وهذا نظيرُ ما فعله سيبويه في أنَّ "أعراباً" ليس جمعاً لِ "عَرَب" لأن عَرَباً يُطلق على البَدَويّ والقَرويّ، وأعراباً لا يُطلق إلاَّ على البدوي دون القروي. فإنْ قيل: لِمَ لا يجوز أن يكون "عالَمون" جمعاً لـ "عالَم" مُراداً به العاقلُ دونَ غيره فيزولَ المحذورُ المذكورُ؟ أجيبَ عن هذا بأنه لو جاز ذلك لجاز أن يقال: شَيْئون جمع شَيء مراداً به العاقلُ دونَ غيره، فدلَّ عدمُ جوازِه على عَدم ادِّعاء ذلك. وفي الجواب نظرٌ، إذ لقائلٍ أن يقول: شَيْئون مضنَعَ مِنه مانعٌ آخرٌ وهو كونُه ليس صفةً ولا علماً، فلا يلزم مِنْ مَنْعِ ذلك منعُ "عالَمين" مراداً به العاقلُ، ويؤيِّده هذا ما نقل الراغب عن ابن عباس أن "عالَمين" إنما جُمع هذا الجمعَ لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإنسُ، وقال الراغبُ أيضاً: "إن العالَم في الأصل اسمٌ لما يُعْلَم به كالطَابَع اسمٌ لما يُطْبَعُ به، وجُعِل بناؤه على الصيغةِ لكونِه كالآلة، فالعالَمُ آلةٌ في الدلالة على صانعهِ"، وقال الراغب أيضاً: "وأمَّا جَمْعُه جَمْعَ السلامةِ فلكونِ الناسِ في جملتهم، والإنسانُ إذا شارك غيره في اللفظِ غَلَب حكمُه"، وظَاهرُ هذا أن "عالَمين" يُطلَق على العُقلاءِ وغيرهم، وهو مخالفٌ لِما تقدَّم من اختصاصِه بالعُقلاءِ، كما زَعَم بعضُهم، وكلامُ الراغبِ هو الأصحُّ الظاهرُ.
* ﴿ الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ ﴾
(١/٢٧)
---


الصفحة التالية
Icon