وقد رجَّح كلٌّ فريقٍ إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاً يكاد يُسْقِط القراءةَ الأخرى، وهذا غير مَرْضِيٍّ، لأنَّ كلتيهما متواترةٌ، ويَدُلُّ على ذلك ما رُوي عن ثعلب أنه قال: ["إذا اختلف الإعرابُ في القرآن] عن السبعة لم أفضِّلْ إعراباً على إعراب في القرآن، فإذا خَرَجْتُ إلى الكلام كرمِ الناس فصَّلْتُ الأقوى" نقله أبو عمر الزاهد في "اليواقيت". وقال الشيخ شهابُ الدين أبو شامةَ: "وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيحِ بين هاتين القراءتين، حتى إنَّ بعضَهُم يُبالِغُ في ذلك إلى حدٍّ يكاد يُسْقِطُ وجهَ القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمودٍ بعد ثبوتِ القراءتين وصحةِ اتصافِ الربِّ تعالى بهما، ثم قال: "حتى إني أُصَلِّي بهذه في رَكْعةٍ وبهذه في رَكْعةٍ" ذكر ذلك عند قوله: "مَلِك يوم الدين ومالِك".
وَلْنذكرْ بعضَ الوجوه المرجَّحة تنبيهاً على معنى اللفظ لا على الوجهِ الذي قَصَدوه. فمِمَّا رُجِّحَتْ به قراءةُ "مالك" أنها أمْدَحُ لعمومِ إضافتِه، إذ يقال: "مالِكُ الجِّم والإنس والطير"، وأنشدوا على ذلك:
٤٦- سُبْحَانَ مَنْ عَنَتِ الوجوهُ لوجهِه * مَلِكِ الملوكِ ومالِكِ العَفْوِ
وقالوا: "فلانٌ مالكُ كذا" لمَنْ يملكه، بخلاف "مِلك" فإنه يُضاف إلى غيرِ الملوك نحو: "مَلِك العرب والعجم"، ولأنَّ الزيادةَ في البناءِ تدلُّ على الزيادةِ في المعنى كما تقدَّم في "الرحمن"، ولأنَّ ثوابَ تالِيها أكثرُ من ثواب تالي "مَلِك".
(١/٢٩)
---


الصفحة التالية
Icon