قوله: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً﴾ الجمهور "يَنْقُصوكم" بالصاد مهملةً، وهو يتعدَّى لواحدٍ ولاثنين. ويجوز ذلك فيه هنا، فـ"كُمْ" مفعولٌ، و "شيئاً": إمَّا مفعول ثان وإمَّا مصدرٌ، أي: شيئاً من النقصان، أو لا قليلاً و [لا] كثيراً النقصان. وقرأ عطاء بن السائب الكوفي وعكرمة وابن السَّمَيْفَع / وأبو زيد "يَنْقُضوكم" بالضاد المعجمة، وهي على حَذْلإِ مضاف أي: ينقضوا عهدكم، فحُذف المضاف وأُقيم المضافُ إليه مُقامه. قال الكرماني: "وهي مناسِبة لِذِكْرِ العهد" أي: إنَّ النقضَ يُطابق العهدَ، وهي قريبة من قراءة العامة؛ فإنَّ مَنْ نقض العهد فقد نقص من المدة، إلا أن قراءةَ العامة أوقعُ لمقابلها التمام.
* ﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿الأَشْهُرُ﴾: يجوز أن تكون الألف واللام للعهد، والمرادُ بهذه الأشهرِ الأشهرُ المتقدمة في قوله: ﴿فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾، والعربُ إذا ذكرت نكرةً، ثم أرادت ذِكْرها ثانياً، تت بمضمرِه أو بلفظه معرَّفاً بأل، ولا يجوز أن نَصِفَه حينئذٍ بصفةٍ تُشْعر بالمغايرة، فلو قيل: "رأيت رجلاً فأكرَمْتُ الرجلَ الطويل" لم تُرِد بالثاني الأولَ، وإن وَصَفْتَه بما لا يقتضي المغايرة جاز كقولك: "فأكرمت الرجل المذكور"، ومنه هذه الآيةُ فإن الأشهر قد وُصِفَتْ بالحُرُم، وهي صفةٌ مفهومة من فحوى الكلام فلم تقتض المغايرة. ويجوز أن يُرادَ بها غيرُ الأشهرِ المتقدمة فلا تكون أل للعهد، والوجهان مقولان في التفسير.
(٨/٢)
---


الصفحة التالية
Icon