والانسلاخُ هنا من أحسنِ الاستعارات، وقد بَيَّن ذلك أبو الهثيم فقال: "يُقال: "أَهْلَلنا شهرَ كذا" أي: دَخَلَْنا فيهن فنحن نزداد كلَّ ليلةٍ منه إلى مضيِّ نصفِه لباساً، ثم نَسْلَخُه عن أنفسنا جزءاً فجزءاً غلى أن ينقضي وينسلخ، وأنشد:
٢٤٤٨ - إذا ما سَلَخْتُ الشهرَ أَهْلَلْتُ مثلَه * كفى قاتِلاً سَلْخي الشهورَ وإهلالي
قوله: ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ في انتصابه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ على الظرفِ المكاني. قال الزجاج: "نحو: ذهبت مذهباً". وقد ردَّ الفارسيُّ عليه هذا القولَ من حيث غنه ظرف مكان مختص، والمكانُ المختصُّ لا يَصِلُ إليه الفعلُ بنفسه بل بواسطة "في"، نحو: صَلَّيْتُ في الطريق، وفي البيت، ولا يَصِلُ بنفسه إلا في ألفاظٍ محصورةٍ بعضُها ينقاسُ وبعضها يُسمع، وجعل هذا نظير ما فَعَلَ سيبويه في بيت ساعِدة:
٢٤٤٩ - لَدْنٌ بهَزَّ الكفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ * فيه كما عَسَل الطريقَ الثعلبُ
وهو أنه جعله مما حُذِف فيه الحرفُ أتِّساعاً لا على الظرف؛ لأنه ظرف مكان مختص.
قال الشيخ: "إنه ينتصبُ على الظرف؛ لأنَّ معنى "واقعدوا" لا يُراد به حقيقةُالقعود، وإنما يُراد: ارصُدوهم، وإذا كان كذلك فقد اتفق العاملُ والظرف في المادة، ومتى اتفقا في المادة لفظاً أو معنىً وصل إليه بنفسه تقول: جلست مجلسَ القاضي، وقعدت مجلسَ القاضي، والآيةُ من هذا القبيل".
والثاني: أنه منصوبٌ على إسقاطِ حرف الجر وهو "على" أي: على كلِّ مَرْصَد، وهذا قول الأخفش، وجعله مِثْلَ قولِ الآخر:
٢٤٥٠ - تَحِنُّ فَتُبْدِي ما بها مِنْ صَبابةٍ * وأُخْفي الذي لولا الأسى لقَضَاني
(٨/٣)
---


الصفحة التالية
Icon